أفعال الله جل شأنه .
أفعال الله صادرة عن علمه وإرادته كما سبق تقريره وكل ما صدر عن علم وإرادة فهو عن الاختيار ولا شىء مما يصدر عن الاختيار بواجب على المختار لذاته فلا شىء من أفعاله بواجب الصدور عنه لذاته فجميع صفات الأفعال من خلق ورزق وإعطاء ومنع وتعذيب وتنعيم مما يثبت له تعالى بالإمكان الخاص فلا يطوفن بعقل عاقل بعد تسليم أنه فاعل عن علم وإرادة أن يتوهم أن شيئا من أفعاله واجب عنه لذاته كما هو الشأن في لوازم الماهيات أو فى اتصاف الواجب بصفاته مثلا فإن ذلك هو التناقض البديهى الاستحالة كما سبق الإشارة إليه .
بقيت علينا جولة نظر فى تلك المقالات الحمقى التى اختبط فيها القوم اختباط إخوة تفرقت بهم الطرق فى السير إلى مقصد واحد حتى إذا التقوا فى غسق الليل صاح كل فريق بالآخر صيحة المستخبر فظن كل أن الآخر عدو يريد مقارعته على ما بيده فاستحر بينهم القتال ولا زالوا يتجالدون حتى تساقط جلهم دون المطلب ولما اسفر الصبح وتعارفت الوجوه رجع الرشد إلى من بقى وهم الناجون ولو تعارفوا من قبل لتعاونوا جميعا على بلوغ ما أملوا ولو وافتهم الغاية إخوانا بنور الحق مهتدين نريد تلك المقالات المضطربة فى أنه يجب على الله رعاية المصلحة فى أفعاله وتحقيق وعيده فيمن تعدى حدوده من عبيده وما يتلو ذلك من وقوع أعماله تحت العلل والأغراض فقد بالغ قوم فى الإيجاب حتى ظن الناظر فى مزاعمهم أنهم عدوه واحدا من المكلفين يفرض عليه أن يجهد للقيام بما عليه من الحقوق وتأدية ما لزمه من الواجبات تعالى عن ذلك علوا كبيرا وغلا آخرون فى نفى التعليل عن أفعاله حتى خبل للممعن فى مقالاتهم أنهم لا يرضونه إلا قلبا يبرم اليوم ما نقضه بالأمس ويفعل غدا ما أخبر بنقيضه اليوم أو غافلا لا يشعر بما يستتبعه عمله سبحان ربك رب العزة عما يصفون