قرر الناظرون فيه له أحكاما كثيرة فصلوها فى علم خاص به ولكن لم يستطع ناظر أن يفهم ما هو ولا أن يكتنه معنى الإضاءة نفسه وإنما يعرف من ذلك ما يعرفه كل بصير له عينان وعلى هذا القياس .
ثم إن الله لم يجعل للإنسان حاجة تدعو إلى اكتناه شىء من الكائنات وإنما حاجته إلى معرفة العوارض والخواص ولذة عقله إن كان سليما إنما هى تحقيق نسبة تلك الخواص إلى ما اختصت به وإدراك القواعد التى قامت عليها تلك النسب فالاشتغال بالاكتناه أضاعة الوقت وصرف للقوة إلى غير ما سيقت إليه .
اشتغل الإنسان بتحصيل العلم بأقرب الأشياء إليه وهى نفسه أراد أن يعرف بعض عوارضها وهل هى عرض أو جوهر هل هى قبل الجسم أو بعده هل هى فيه أو مجردة عنه كل هذه صفات لم يصل العقل إلى اثبات شىء منها يمكن الاتفاق عليه وإنما مبلغ جهده أنه عرف أنه موجود حى له شعور وإرادة وكل ما أحاط به بعد ذلك من الحقائق الثابتة فهو راجع إلى تلك العوارض التى وصل إليها ببديهته أماكنه شىء من ذلك بل وكيفية اتصافه ببعض صفاته فهو مجهول عنده ولا يجد سبيلا للعلم به .
هذا حال العقل الإنسانى مع ما يساويه فى الوجود أو ينحط عنه بل وكذلك شأنه فيما يظن من الأفعال أنه صادر عنه كالفكر وارتباطه بالحركة والنطق فما يكون من أمره بالنسبة إلى ذلك الوجود إلا على ماذا يكون اندهاشه بل انقطاعه إذا وجه نظره إلى مالا يتناهى من الوجود الأزلى الأبدى .
النظر فى الخلق يهدى بالضرورة إلى المنافع الدنيوية ويضىء للنفس طريقها إلى معرفة من هذه آثاره وعليها تجلت أنواره وإلى اتصافه بما لولاه لما صدرت عنه هذه الآثار على ما هى عليه من النظام وتخالف الأنظار فى الكون إنما هو من تصارع الحق والباطل ولا بد أن يظفر الحق ويعلو على الباطل بتعاون الأفكار أو صولة القوى منها على الضعيف