[ 92 ] فدل على أن ما يستحق من العوض منقطع. ثم انه ينظر فان أمكن توفيته في دار الدنيا توفت عليه كما توفت على الكفار، وان تأخر إلى الاخرة فعل به مفرقا على وجه إذا انقطع لا يحس بفقده فيغتم له. وأيضا فلو كان المستحق دائما لما صح فعله بالكفار، والاحباط لا يدخل فيه عندنا وعند أكثرهم في العوض، فدل على أنه منقطع. ويجوز أن يوصل العوض إلى مستحقه وان لم يعلم أنه مستحق لذلك، [ بخلاف الثواب الذي من شرطه أن يعلم المستحق أنه مستحق لذلك ] 1). وكل عوض يستحقه الواحد منا على غيره مما له المطالبة به في الدنيا وله استيفاؤه، فانه متى أسقطه بهبة أو ابراء فانه يسقط كسائر حقوقه. فأما العوض الذي يستحق على الله تعالى أو بعضنا على بعض على وجه يتأخر استيفاؤه إلى الاخرة فليس يسقط باسقاطه، لان الله تعالى هو المستوفى له وهو كالمحجور عليه، فالاسقاط تابع للمطالبة، فمن ليس له المطالبة ليس له الاسقاط. فعلى هذا يؤثر التحليل والابراء في الحقوق التي لها المطالبة بها دون ما ليس لها المطالبة به. ولما كان اللطف واجبا في التكليف على ما مضى القول فيه وكان من جملة الالطاف معرفة الله على صفاته وجب أن نبين الكلام في المعارف على وجه الاختصار، وانا أذكر من ذلك جملة مقنعة في هذا الباب. واعلم أن المعرفة هي العلم بعينه، والعلم هو ما اقتضى سكون النفس إلى ما يتناوله، ولا يكون كذلك الا وهو اعتقاد للشئ على ما هو به مع سكون النفس، غير أنه لا يجب ذكره في الحد كما لا يجب ذكر كونه عرضا ومحدثا وحالا في محل وغير ذلك، لان الذي يتميز به سكون النفس فيجب أن يقتصر عليه. والعلم على ضربين: ضروري، ومكتسب. فالضروري ما كان من فعل ________________________________________ 1) الزيادة ليست في ر. ________________________________________