[ 56 ] فصل ثم قال هذا الشيخ الجاهل: وقد كان وصل إلى نيسابور (1)، في سنة أربعين وثلاثمائة، رجل من هؤلاء الرافضة يعرف ب‍ (الجنيدي) (2)، يدعى معرفة بفقههم، ويتصنع بالنفاق لهم، فسلموا إليه مالا كثيرا ليوصله إلى إمامهم - الذين يدعون وجوده الآن، ويحيلون في ذلك على السرداب وكان يذكر لهم أن بينه وبينه مكاتبة، وأن مستقرة بنواحي الحجاز. وحمل إليه إنسان منهم - كان يعاملني في التجارة أخيرا مرة - سيفا بحلية ثقيلة، له مقدار، وأهدى إليه في خاصته ثيابا، وبره بشئ من ماله، و رأيت جماعة من رافضة نيسابور يكرمونه ويعتقدون فيه الصلاح. فخاطبت معاملي في استحضاره إلى منزله، فحضر، وقايسته فوجدته من أجهل الناس، وأبعدهم عن طريق العلم، وتقرب إلي بوفاق أبي حنيفة في مسائل، وبالقول بالقياس في الأحكام - والرأي، ولم يكن يحسن من ذلك كله شيئا. فعجبت لشدة غباوة هذه الفرقة، ونفاق الجهال عليها، لكن لا عجب! مع ما هم عليه من الضلال عما تقتضيه العقول، وتوفيه شرائع الإسلام، و ________________________________________ (1) نيسابور بفتح أوله، والعامة تسميه (نشاور)، وهي مدينة عظيمة، ذات فضائل جسيمة، معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، لم - أر فيما طوفت من البلاد - مدينة كانت مثلها. (معجم البلدان 5: 330) (2) هو محمد بن أحمد الجنيد، أبو علي الإسكافي، وجه من وجوه أصحابنا، ثقة جليل القدر، صنف فأكثر، إلا أنه كان يرى القول بالقياس، فتركت لذلك كتبه ولم يعول عليها. (الفهرست للطوسي: 368) ________________________________________