زيارة القبور 1والزيادة على ذلك إنما هو علي وجه التنزل فمن احتج بالحديث لمنع الزيارة ينبغي أن لا يرسم في حزب الفقهاء البته لما قررنا وإن قلنا بعموم اللفظ فكذلك لأن وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الإحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الإستدلال وهذا في الإحتمال وإن كان فيه بعد .
فما ظنك بهذا الحديث الذي لا إحتمال فيه من لفظه وهو قرينة ظاهرة قوية ولها شاهد ظاهر الدلالة كما إذكره إن شاء الله تعالى ولاسيما وقد دخله التخصيص بالأدلة السمعية والعملية مع كثرة المخصصات على إختلاف أنواعها فمنها ما هو فرض عين ومنها ما هو فرض كفاية ومنها ما هو مندوب ومنها ما هو قربة ومنها ما هو مباح وصور هذه الأنواع لا تكاد تنحصر عدا فأما القرينة اللفظية فذكر المساجد الثلاث في الإستثناء وهو بعض المستثنى منه وهذا قوي جدا وإلى تكون بمعنى اللام إذ حروف الصلة ينوب بعضها عن بعض كما هو كثير في الكلام فالمعنى لا تشد الرحال لمسجد إلا للمساجد الثلاث ويؤيد هذا أن رجلا من التابعين قال لإبن عمر Bهما أريد أن آتي الطور قال إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد رسول الله ومسجد الأقصى ودع عنك الطور فلا تأته فهذا عبد الله بن عمر Bهما من أجلاء الصحابة Bهم لم يتكلم إلا في شد الرحال إلى المساجد دون غيرها وهو أعلم بالحديث وموارده ومصادره وعلى منواله تكلم العلماء في شد الرحال بالنسبة إلى المساجد وكذا ذكر القاضي عياض في كتابه الإكمال ولم يتعرض لزيارة الموتى أصلا وليس في الحديث تعرض لمنع الزيارة البتة وبهذا وغيره يعرف أن دعوى أن الحديث يدل على منع الزيارة من كلام الجهلة العارين عن العلوم التي بها يصح الإستدلال والإستنباط وعلى سوء الفهم وبلادة الذهن وجموده وأن مثل هذا لا يحل لأحد تقليده ولا الأخذ بقوله لتحقق جهله ببعض ما قررنا .
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
ومثل هذا لا يزال يتخبط في ظلمة جهله هو وأتباعه وبالله التوفيق .
وقوله في جواب الفتوى ولو نذر أن يأتي مسجد النبي أو المسجد الأقصى لصلاة أو إعتكاف وجب الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد ولم يجب عند أبي حنيفة لأنه لا يجب عنده بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالسمع إلى آخره