وهو أيضا مستند إلى الشك وذلك من خوف الخاتمة فإنه لا يدري أيسلم له الإيمان عند الموت أم لا ؟ .
فإن ختم له بالكفر حبط عمله السابق لأنه موقوف على سلامة الآخر .
ولو سئل الصائم ضحوة النهار عن صحة صومه فقال : أنا صائم قطعا فلو أفطر في أثناء نهاره بعد ذلك لتبين كذبه إذ كانت الصحة موقوفة على التمام إلى غروب الشمس من آخر النهار .
وكما أن النهار ميقات تمام الصوم فالعمر ميقات تمام صحة الإيمان ووصفه بالصحة قبل آخره بناء على الاستصحاب وهو مشكوك فيه والعاقبة مخوفة ولأجلها كان بكاء أكثر الخائفين لأجل أنها ثمرة القضية السابقة والمشيئة الأزلية التي لا تظهر إلا بظهور المقضى به ولا مطلع عليه لأحد من البشر فخوف الخاتمة كخوف السابقة وربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة بنقيضه فمن الذي يدري أنه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى ؟ .
وقيل في معنى قوله تعالى { وجاءت سكرة الموت بالحق } أي بالسابقة يعني أظهرتها .
وقال بعض السلف : إنما يوزن من الأعمال خواتيمها .
وكان أبو الدرداء Bه يحلف بالله ما من أحد يأمن أن يسلب إيمانه إلا سلبه .
وقيل : من الذنوب ذنوب عقوبتها سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك . وقيل هي عقوبات دعوى الولاية والكرامة بالافتراء .
وقال بعض العارفين : لو عرضت علي الشهادة عند باب الدار والموت على التوحيد عند باب الحجرة لاخترت الموت على التوحيد عند باب الحجرة لأني لا أدري ما يعرض لقلبي من التغيير عن التوحيد إلى باب الدار ؟ [ أي أنه لو كان خارجا فيموت على التوحيد عند باب الحجرة أفضل له من الاستمرار إلى باب الدار حيث الشهادة لخوفه مما قد يعرض لقلبه أثناء ذلك . دار الحديث ] .
وقال بعضهم : لو عرفت واحدا بالتوحيد خمسين سنة ثم حال بيني وبينه سارية ومات لم أحكم أنه مات على التوحيد .
وفي الحديث " من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل ( 1 ) " .
وقيل في قوله تعالى { وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا } صدقا لمن مات على الإيمان وعدلا لمن مات على الشرك وقد قال تعالى { ولله عاقبة الأمور } .
فمهما كان الشك بهذه المثابة كان الاستثناء واجبا لأن الإيمان عبارة عما يفيد الجنة كما أن الصوم عبارة عما يبرئ الذمة . وما فسد قبل الغروب فيخرج عن كونه صوما .
فكذلك الإيمان بل لا يبعد أن يسأل عن الصوم الماضي الذي لا يشك فيه بعد الفراغ منه فيقال أصمت بالأمس ؟ فيقول : نعم إن شاء الله تعالى إذ الصوم الحقيقي هو المقبول والمقبول غائب عنه لا يطلع عليه إلا الله تعالى .
فمن هذا حسن الاستثناء في جميع أعمال البر ويكون ذلك شكا في القبول إذ يمنع من القبول بعد جريان ظاهر شروط الصحة أسباب خفية لا يطلع عليها إلا رب الأرباب جل جلاله فيحسن الشك فيه .
فهذه وجوه حسن الاستثناء في الجواب عن الإيمان وهي آخر ما نختم به " كتاب قواعد العقائد " .
تم الكتاب بحمد الله تعالى وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفى .
_________ .
( 1 ) - حديث " من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل " .
أخرجه الطبراني في الأوسط بالشطر الأخير منه من حديث ابن عمر وفيه ليث بن أبي سليم تقدم والشطر الأول روي من قول يحيى بن أبي كثير رواه الطبراني في الأصغر بلفظ " من قال أنا في الجنة فهو في النار " وسنده ضعيف