@ 412 @ منهم ، فأرى الله المسلمين الكافرين في ضعفي المسلمين على ما قرر في قوله : { إِن يَكُن مّنكُمْ * مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } لتجترئوا عليهم . .
وإذن كان الضمير في : لكم ، للكافرين وفي : ترونهم ، الخطاب لهم ، والمنصوب والمجرور للمؤمنين . والتقدير : ترون أيها الكافرون المؤمنين مثلي أنفسهم . .
ويحتمل أن يكون الضمير المجرور عائداً على الفئة الكافرة ، أي : مثلي الفئة الكافرة وهم أنفسهم ، فيكون الله تعالى قد أرى المشركين المؤمنين أضعاف أنفس المؤمنين ، أو أضعاف الكافرين على قلة المؤمنين ليهابوهم ويجبنوا عنهم ، وكانت تلك الرؤية مدداً من الله للمؤمنين ، كما أمدهم تعالى بالملائكة ، فإن كانت هذه ، وآية الأنفال في قصة واحدة ، فالجمع بين هذا التكثير وذاك التقليل باعتبار حالين ، قللوا أولاً في أعين الكفار حتى يجترئوا على ملاقاة المؤمنين ، وكثروا حالة الملاقاة حتى قهروا وغلبوا ، كقوله : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ } { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } وأما من قرأ بالياء المفتوحة . فالظاهر أن الجملة صفة لقوله : وأخرى كافرة ، وضمير الرفع عائد عليها على المعنى ، إذ لو عاد على اللفظ لكان : تراهم ، وضمير النصب عائد على : فئة تقاتل في سبيل الله ، وضمير الجرّ في : مثليهم ، عائد على فئة أيضاً ، وذلك على معنى الفئة ، إذ لو عاد على اللفظ لكان التركيب : تراها مثليها ، أي ترى الفئةُ الكافرُة الفئةَ المؤمنةَ في مثلي عدد نفسها . أي : ستمائة ونيف وعشرين ، أو مثلي أنفس الفئة الكافرة ، أي ألفين ، أو قريباً من ألفين . .
ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل عائداً على الفئة المؤمنة على المعنى ، والضمير المنصوب والمجرور عائداً على الفئة الكافرة على المعنى ، أي : ترى الفئة المؤمنة الفئة الكافرة مثلي نفسها . .
ويحتمل أن يعود الضمير المجرور على الفئة الكافرة ، أي : مثلي الفئة الكافرة . والجملة إذ ذاك صفة لقوله : وأخرى كافرة ، ففي الوجه الأول الرابط الواو ، وفي هذا الوجه الرابط ضمير النصب . وإذا كان الضمير في : لكم ، لليهود ؛ فالآية كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم احتجاجاً عليهم ، وتثبيتاً لصورة الوعد السابق من أن الكفار : سيغلبون . .
فمن قرأ بالتاء كان معناه : لو حضرتم ، أو إن كنتم حضرتم ، وساغ هذا الخطاب لوضوح الأمر في نفسه ، ووقوع اليقين به ، لكل إنسان في ذلك العصر ، ومن قرأ بالياء فضمير الفاعل يحتمل أن يكون للفئة المؤمنة ، ويحتمل أن يكون للفئة الكافرة على ما تقرر قبل . .
والرؤية في هاتين القراءتين بصرية تتعدّى لواحد ، وانتصب : مثليهم ، على الحال . قاله أبو علي ، ومكي ، والمهدوي . ويقوي ذلك ظاهر قوله : رأي العين ، وانتصابه على هذا انتصاب المصدر المؤكد . .
قال الزمخشري : رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات . وقيل : الرؤية هنا من رؤية القلب ، فيتعدى لإثنين ، والثاني هو : مثليهم . ورد هذا بوجهين : أحدهما : قوله تعالى : رأي العين ، والثاني : أن رؤية القلب علم ، ومحال أن يعلم الشيء شيئين . .
وأجيب عن الأول : بأن انتصابه انتصاب المصدر التشبيهي ، أي : رأياً مثل رأي العين أي يشبه رأي العين وليس في التحقيق به . وعن الثاني : بأن معنى الرؤية هنا الاعتقاد ، فلا يكون ذلك محالاً . وإذا كانوا قد أطلقوا العلم في اللغة على الاعتقاد دون اليقين ، فلأن يطلقوا الرأي عليه أولى . قال تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } أي فإن اعتقدتم إيمانهن ، ويدل على هذا قراءة من قرأ : ترونهم ، بضم التاء ، أو الباء . قالوا : فكأن المعنى أن اعتقاد التضعيف في جمع الكفار أو المؤمنين كان تخميناً وظناً ، لا يقيناً . فلذلك ترك في العبارة ضرب من الشك ، وذلك أن : أُري ، بضم الهمزة تقولها فيما عندك فيه نظر ، وإذا كان كذلك ، فكما استحال أن يحمل الرأي هنا على العلم ، يستحيل أن يحمل على النظر بالعين ، لأنه كما لا يقع : العلم غير مطابق للمعلوم ، كذلك لا يقع : النظر البصري مخالفاً للمنظور إليه ، فالظاهر أن ذلك إنما هو على سبيل التخمين والظن ، وإنه لتمكن ذلك في اعتقادهم . .
شبه برؤية العين ، والرأي مصدر : رأى ، يقال : رأى رأياً ورؤية ورؤيا ، ويغلب رؤيا في المنام ورؤية في البصرية يقظة ، ورأيا في الاعتقاد ، يقال : هذا رأي فلان ، قال