@ 410 @ نرى أمره في وقعة أخرى . فلما كانت أحد كفروا جميعهم ، وقالوا : ليس بالنبي المنصور . .
وقيل : في أبي سفيان وقومه ، جمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) بعد بدر ، فنزلت . ولما أخبر تعالى قيل : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم * وَإِنَّهُمْ * وَقُودُ النَّارِ } ناسب ذلك الوعد الصادق اتباعه هذا الوعد الصادق ، وهو كالتوكيد لما قبله ، فالغلبة تحصل بعدم انتفاعهم بالأموال والأولاد ، والحشر لجهنم مبدأ كونهم يكونون لها وقوداً . .
وقرأ حمزة ، والكسائي : سيغلبون ويحشرون ، بالياء على الغيبة وقرأ باقي السبعة : بالتاء ، خطاباً ، فتكون الجملة معمولاً للقول . ومن قرأ بالياء فالظاهر أن الضمير : للذين كفروا ، وتكون الجملة إذ ذاك ليست محكية بقل ، بل محكية بقول آخر ، التقدير : قل لهم قولي سيغلبون ، وإخباري أنه يقع عليهم الغلبة والهزيمة . كما قال تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيغلبون ، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيغلبون ، وأجاز بعضهم ، وهو : الفراء ، وأحمد بن يحيى ، وأورده ابن عطية ، إحتمالاً أن يعود الضمير في : سيغلبون ، في قراءة التاء على قريش ، أي : قل لليهود ستغلب قريش ، وفيه بُعْدٌ . .
والظاهر أن : الذين كفروا ، يعم الفريقين المشركين واليهود ، وكل قد غلب بالسيف ، والجزية ، والذلة ، وظهور الدلائل والحجج ، وإلى معناها الغاية ، وإن جهنم منتهى حشرهم ، وأبعد من ذهب إلى أن : إلى ، في معنى : في ، فيكون المعنى : إنهم يجمعون في جهنم وبئس المهاد ، يحتمل أن يكون من جملة المقول ، ويحتمل أن يكون استئناف كلام منه تعالى ، قاله الراغب ؛ والمخصوص بالذم محذوف لدلالة ما قبله عليه ، التقدير : وبئس المهاد جهنم . وكثيراً ما يحذف لفهم المعني ، وهذا مما يستدل به لمذهب سيبويه : أنه مبتدأ والجملة التي قبله في موضع الخبر ، إذ لو كان خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر للزم من ذلك حذف الجملة برأسها من غير أن يبقى ما يدل عليها ، وذلك لا يجوز ، لأن حذف المفرد أسهل من حذف الجملة . وأمّا من جعل : المهاد ، ما مهدوا لأنفسهم ، أي : بئسما مهدوا لأنفسهم ، وكان المعنى عنده ، و : بئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم ، ففيه بُعْدٌ ، ويروى عن مجاهد . .
{ قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } قال في ( ري الظمآن ) : أجمع المفسرون على أنهها وقعة بدر ، والخطاب للمؤمنين ، قاله ابن مسعود ، والحسن . فعلى هذا معنى الآية تثبيت النفوس وتشجيعها ، لأنه لما أمر أن يقول للكفار ما قال ، أمكن أن يستبعد ذلك المنافقون وبعض ضعفة المؤمنين ، كما قال : من قال يوم الخندق : يعدنا محمد أموال كسرى وقيصر ونحن لا نأمن على النساء في المذهب ، وكما قال عدي بن حاتم ، حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم ) بالأمنة التي تأتي ، فقلت في نفسي : فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد ؟ الحديث بكماله . .
وقيل : الخطاب للكافرين ، وهو ظاهر ، ولا سيما على قراءة من قرأ : ستغلبون ، بالتاء . ويخرج ذلك من قول ابن عباس ، وعلى هذا يكون ذلك تخويفاً لهم ، وإعلاماً بأن الله سينصر دينه . وقد أراكم في ذلك مثالاً بما جرى لمشركي قريش من الخذلان والقتل والأسر . .
وقيل : الخطاب لليهود ، قاله الفراء ، وابن الأنباري وابن جرير ، وعلى هذا يكون ذلك تخويفاً لهم ، كأنه قيل : لا تغتروا بدربتكم في الحرب ، ومنعة حصونكم ، ومجالبتكم لمشركي قريش ، فإن الله غالبكم ، وقد علمتم ما حل بأهل بدر ، ولم يلحق التاء . كان ، وإن كان قد أسند إلى مؤنث ، وهو الآية ، لأجل أنه تأنيث مجازي . وازداد حسناً بالفصل ، وإذا كان الفصل حسناً في المؤنث الحقيقي ، فهو أولى في المؤنث المجازي ، ومن كلامهم : حضر القاضي امرأة وقال : % ( إن امرأ غره منكن واحدة % .
بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور .
) %