@ 402 @ وأصحابه ، بدليل { لَّاكِنِ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ مِنْهُمْ } يعنى الراسخين في علم التوراة ، وهذا فيه بعد ، وقد فسر الرسوخ في العلم بما لا تدل عليه اللغة ، وإنما هي أشياء نشأت عن الرسوخ في العلم ، كقول نافع : الراسخ المتواضع لله ، وكقول مالك : الراسخ في العلم العامل بما يعلم ، المتبع . .
{ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا } هذا من المقول ، ومفعول : يقولون قوله : { بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا } وجعلت كل جملة كأنها مستقلة بالقول ، ولذلك لم يشترك بينهما بحرف العطف ، أو جعلا ممتزجين في القول امتزاج الجملة الواحدة ، نحو قوله : % ( كيف أصحبت ؟ كيف أمسيت ؟ مما % .
يزرع الود في فؤاد الكريم ؟ كأنه قال : هذا الكلام مما يزرع الودّ . والضمير في : به ، يحتمل أن يعود على المتشابه ، وهو الظاهر ، ويحتمل أن يعود على الكتاب . والتنوين في : كل ، للعوض من المحذوف ، فيحتمل أن يكون ضمير الكتاب ، أي : كله من عند ربنا ، ويحتمل أن يكون التقدير : كل واحد من المحكم والمتشابه من عند الله ، وإذا كان من عند الله فلا تناقض ولا أختلاف ، وهو حق يجب أن يؤمن به . وأضاف العندية إلى قوله : ربنا ، لا إلى غيره من أسمائه تعالى لما في الإشعار بلفظة الرب من النظر في مصلحة عبيده ، فلولا أن في المتشابه مصلحة ما أنزله تعالى ، ولجعل كتابه كله محكماً . .
.
) % .
{ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ * الالْبَابِ } أي : وما يتعظ بنزول المحكم والمتشابه إلاَّ أصحاب العقول ، إذ هم المدركون لحقائق الأشياء ، ووضع الكلام مواضعه ، ونبه بذلك على أن ما أشتبه من القرآن ، فلا بد من النظر فيه بالعقل الذي جعل مميزاً لإدراك : الواجب ، والجائز ، والمستحيل ، فلا يوقف مع دلالة ظاهر اللفظ ، بل يستعمل في ذلك الفكر حتى لا ينسب إلى البارىء تعالى ، ولا إلى ما شرع من أحكامه ، ما لا يجوز في العقل . .
وقال ابن عطية : أي ، ما يقول هذا ويؤمن به ، ويقف حيث وقف ، ويدع اتباع المتشابه إلاَّ ذولبَ . .
وقال الزمخشري : مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمل . .
{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } ويحتمل أن يكون هذا من جملة المقول أي : يقولون ربنا ، وكأنهم لما رأوا انقسام الناس إلى زائغ ، ومتذكر مؤمن ، دعوا الله تعالى بلفظ الرب أن لا يزيغ قلوبهم بعد هدايتهم ، فيلحقوا بمن في قلبه زيغ ، ويحتمل أن يكون تعالى علمهم هذا الدعاء ، والتقدير : قولوا ربنا . .
ومعنى الإزاغة هنا الضلالة . وفي نسبة ذلك إليه تعالى رد على المعتزلة في قولهم : إن الله لا يضل ، إذ لو لم تكن الإزاغة من قبله تعالى لما جاز أن يدعى في رفع ما لا يجوز عليه فعله . .
وقال الزجاج : لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ بها قلوبنا ، وهذا القول فيه التحفظ من خلق الله الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد . .
وقال ابن كيسان : سألوا أن لا يزيغوا ، فيزيغ الله قلوبهم ، نحو : { فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } أي : ثبتنا على هدايتك ، وأن لا نزيغ ، فنستحق أن تزيغ قلوبنا . وهذه نزغة إعتزالية ، كما قال الجبائي : لا تمنعها الألطاف التي بها يستمر القلب على صفة الإيمان . ولما منعهم الألطاف لاستحقاقهم منع ذلك ، جاز أن يقال : أزاغهم ، ويدل عليه : فلما زاغوا . وقال الجبائي أيضاً : لا تزغنا عن جنتك وثوابك . .
وقال أبو مسلم : أحرسنا من الشيطان وشر أنفسنا حتى لا نزيغ . .
وقال