@ 356 @ .
وقد جاء في فضل إنظار المعسر أحاديث كثيرة ، منها : ( من أنظر معسراً ، ووضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) . ومنها : ( يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول : يا رب ما عملت لك خيراً قط أريدك به إلا أنك رزقتني مالاً فكنت أوسع على المقتر ، وأنظر المعسر ، فيقول الله عز وجل : أنا أحق بذلك منك . فتجاوزوا عن عبدي ) . .
{ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي : تصدقوا على الغريم برأس المال أو ببعضه خير من الإنظار ، قاله الضحاك والسدي ، وابن زيد ، والجمهور . وقيل : وان تصدقوا فالإنظار خير لكم من المطالبة ، وهذا ضعيف ، لأن الإنظار للمعسر واجب على رب الدين ، فالحمل على فائدة جديدة أولى . ولأن : أفعل التفضيل باقية على أصل وصفها ، والمراد بالخير : حصول الثناء الجميل في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة . وقال قتادة : ندبوا إلى أن يتصدقوا برؤوس أموالهم على الغني والفقير . .
وقرأ الجمهور : وأن تصدقوا ، بادغام التاء في الصاد ، وقرأ عاصم : تصدقوا ، بحذف التاء . وفي مصحف عبد الله : تتصدقوا ، بتاءين وهو الأصل ، والإدغام تخفيف . والحذف أكثر تخفيفاً . .
{ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } : يريد العمل ، فجعله من لوازم العلم ، وقيل : تعلمون فضل التصدق على الإنظار والقبض ، وقيل : تعلمون أن ما أمركم به ربكم أصلح لكم . .
قيل : آخر آية نزلت آية الربا ، قاله عمر ، وابن عباس ، ويحمل على أنها من آخر ما نزل ، لأنه الجمهور قالوا : آخر آية نزلت : { وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } فقيل : قبل موته بتسع ليال ، ثم لم ينزل شيء . وروي : بثلاث ساعات ، وقيل : عاش بعدها صلى الله عليه وسلم ) أحداً وثمانين يوماً . وقيل : أحداً وعشرين يوماً . وقيل : سبعة أيام . وروي أنه قال : ( أجعلوها بين آية الربا وآية الدين ) . وروي أنه قال عليه السلام : جاءني جبريل فقال : إجعلها على رأس مائتين وثمانين آية من البقرة . .
وتقدم الكلام على : واتقوا يوماً ، في قوله : { وَاتَّقُواْ يَوْمًا } . .
وقرأ يعقوب ، وأبو عمرو : ترجعون ، مبنياً للفاعل ، وخبر عباس عن أبي عمرو وقرأ باقي السبعة منبياً للمفعول وقرأ الحسن : يرجعون ، على معنى يرجع جميع الناس ، وهو من باب الالتفات . قال ابن جني : كان الله تعالى رفق بالمؤمنين عن أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تتفطر له القلوب ، فقال لهم : واتقوا ، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقاً بهم . انتهى . .
وقرأ أبي : تردون ، بضم التاء ، حكاه عنه ابن عطية وقال الزمخشري : وقرأ عبد الله : يردون . وقرأ أبي : تصيرون . انتهى . .
قال الجمهور والمراد بهذا اليوم يوم القيامة ، وقال قوم : هو يوم الموت ، والأول أظهر لقوله : { ثُمَّ * اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } والمعنى إلى حكم الله وفصل قضائه . .
{ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ } أي تعطى وافياً جزاء { مَّا كَسَبَتْ } من خير وشر ، وفيه نص على تعلق الجزاء بالكسب ، وفيه ردّ على الجبرية . .
{ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي : لا ينقصون مما يكون جزاء العمل الصالح من الثواب ، ولا يزادون على جزاء العمل السيء من العقاب ، وأعاد الضمير أولاً في : كسبت ، على لفظ : النفس ، وفي قوله : وهم لا يظلمون ، على المعنى لأجل فاصلة الآي ، إذ لو أتى وهي لا تظلم لم تكن فاصلة ، ومن قرأ : يرجعون ، بالياء فتجيء : وهم ، عليه غائباً مجموعاً لغائب مجموع . .
( { ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُم كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ