@ 343 @ يكون أثر السجود في هؤلاء أكثر ، وأما من فسر السيما بالخشوع ، فالخشوع محله القلب ، ويشترك فيه الغني والفقير ، والذي يفرق بين الغني والفقير ظاهراً إنما هو : رثاثة الحال ، وشحوب الألوان . وللصوفية في تفسير السيما مقالات . قال المرتعش : عزتهم على الفقر ، وقال الثوري : فرحهم بالفقر ، وقال أبو عثمان : إيثار ما عندهم مع الحاجة ، إليه وقيل : تيههم على الغني ، وقيل : طيب القلب وبشاشة الوجه . .
والباء متعلقة : بتعرفهم ، وهي للسبب ، وجوزوا في هذه الجملة ما جوزوا في الجمل قبلها ، من الحالية ، ومن الاستئناف . .
وفي هذه الآية طباق في موضعين : أحدهما : في قوله : أحصروا وضربا في الأرض ، والثاني : في قوله : للفقراء وأغنياء . .
{ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى } إذا نفي حكم عن محكوم عليه بقيد ، فالأكثر في لسان العرب إنصراف النفي لذلك القيد ، فيكون المعنى على هذا ثبوت سؤالهم ، ونفي الإلحاح أي : وإن وقع منهم سؤال ، فإنما يكون بتلطف وتستر لا بإلحاح ، ويجوز أن ينفي ذلك الحكم فينتفي ذلك القيد ، فيكون على هذا نفي السؤال ونفي الإلحاح ، فلا يكون النفي على هذا منصباً على القيد فقط . .
قال ابن عباس : لا يسألون إلحافاً ولا غير إلحاف ، ونظير هذا : ما تأتينا فتحدثنا . فعلى الوجه الأول : ما تأتينا محدثاً ، إنما تأتي ولا تحدث ، وعلى الوجه الثاني : ما يكون منك إتيان فلا يكون حديث ، وكذلك هذا لا يقع منهم سؤال البتة فلا يقع إلحاح . ونبه على نفي الإلحاح دون غير الإلحاح لقبح هذا الوصف ، ولا يراد به نفي هذا الوصف وحده ووجود غيره ، لأنه كان يصير المعنى الأول وإنما يراد بنفي مثل هذا الوصف نفي المترتبات على المنفي الأول لأنه نفى الأول على سبيل العموم ، فتنفى مترتباته ، كما أنك إذا نفيت الإتيان فانتفى الحديث ، انتفت جميع مترتبات الإتيان من : المجالسة والمشاهدة والكينونة في محل واحد ، ولكنه نبه بذكر مترتب واحد لغرض مّا عن سائر المترتبات ، وتشبيه الزجاج هذا المعنى في الآية ، بقول الشاعر : .
على لاحبٍ لا يهتدى بمناره .
إنما هو مطلق انتفاء الشيئين ، أي لا سؤال ولا إلحاف . وكذلك : هذا لا منار ولا هداية ، لا أنه مثله في خصوصية النفي ، إذ كان يلزم أن يكون المعنى : لا إلحاف ، فلا سؤال ، وليس تركيب الآية على هذا المعنى ، ولا يصح : لا إلحاف فلا سؤال ، لأنه لا يلزم من نفي الخاص نفي العام ، كما لزم من نفي المنار نفي الهداية التي هي من بعض لوازمه ، وإنما يؤدي معنى النفي على طريقة النفي في البيت أن لو كان التركيب : لا يلحفون الناس سؤالاً ، لأنه يلزم من نفي السؤال نفي الإلحاف ، إذ نفي العام يدل على نفي الخاص ، فتلخص من هذا كله : أن نفي الشيئين تارة يدخل حرف النفي على شيء فتنتفي جميع عوارضه ، ونبه على بعضها بالذكر لغرض مّا ، وتراه يدخل حرف النفي على عارض من عوارضه ، والمقصود نفيه ، فينتفي لنفيه عوارضه . .
وقال ابن عطية : تشبيهه ، يعني الزجاج ، الآية ببيت امرىء القيس غير صحيح ، ثم بين أن انتفاء صحة التشبيه من جهة أنه ليس مثله في خصوصية النفي ، لأن انتفاء المنار في البيت يدل على انتفاء الهداية ، وليس انتفاء الإلحاح يدل على انتفاء السؤال ، وأطال ابن عطية في تقرير هذا ، وقد بينا أن تشبيه الزجاج إنما هو في مطلق انتفاء الشيئين ، وقررنا ذلك . .
وقيل : معنى إلحافاً أنه السؤال الذي يستخرج به المال لكثرة تلطفه ، أي : لا يسألون الناس بالرفق والتلطف ، وإذا لم يوجد هذا ، فلأن لا يوجد بطريق العنف أولى ، وقيل : معنى إلحافاً أنهم يلحفون على أنفسهم في ترك السؤال ، أي : لا يسألون لإلحاحهم على أنفسهم في : تركهم ، السؤال ، ومنعهم ذلك بالتكليف الشديد ، وقيل : من سأل ، فلا بد أن يلح ، فنفي الإلحاح عنهم مطلقاً موجب لنفي السؤال مطلقاً . وقيل : هو كناية عن عدم إظهار آثار الفقر ، والمعنى : أنهم لا يضمون إلى السكون من رثاثة الحال والانكسار ، وما يقوم مقام السؤال الملحّ ، ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالاً ، وأن تكون مستأنفة . ومن جوز الحال في هذه الجمل وذو الحال واحد ، إنما هو على مذهب من يجيز تعدد الحال الذي حالٍ ، وهي