@ 341 @ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } . .
{ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللَّهِ } أي : وما تنفقون النفقة المعتد لكم قبولها إلاَّ ما كان إنفاقه لابتغاء وجه الله ، فإذا عريت من هذا القصد فلا يعتد بها فهذا خبر شرط فيه محذوف أي : وما تنفقون النفقة المعتدة القبول ، فيكون هذا الخطاب للأمة . وقيل : هو خير من الله أن نفقتهم أي : نفقة الصحابة ، رضي الله عنهم ، ما وقعت إلاّ على الوجه المطلوب من ابتغاء وجه الله ، فتكون هذه شهادة لهم من الله بذلك ، وتبشيراً بقبولها ، إذ قصدوا بها وجه الله تعالى ، فخرج هذا الكلام مخرج المدح والثناء ، فيكون هذا الخطاب خاصاً بالصحابة . .
وقال الزمخشري : وليست نفقتكم إلاَّ لابتغاء وجه الله ، ولطلب ما عنده ، فما لكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله ؟ وهذا فيه إشارة إلى مذهب المعتزلة ، من أن الصدقة وقعت صحيحة ، ثم عرض لها الإبطال . بخلاف قول غيرهم : إن المن والأذى قارنها . وقيل : هو نفي معناه النهي ، أي : ولا تنفقوا إلاَّ ابتغاء وجه الله ، ومجازه أنه : لما نهى عن أن يقع الإنفاق إلاَّ لوجه الله ، حصل الامتثال ، وإذا حصل الامتثال ، فلا يقع الإنفاق إلاَّ لإبتغاء وجه الله ، فعبر عن النهي بالنفي لهذا المعنى . .
وانتصاب ابتغاء على أنه مفعول من أجله ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال تقديره : مبتغين ، وعبر بالوجه عن الرضا ، كما قال : ابتغاء مرضاة الله ، وذلك على عادة العرب ، وتنزه الله عن الوجه بمعنى : الجارحة ، تقدم الكلام على نسبة الوجه إلى الله في قوله : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } مستوفي ، فأغنى عن إعادته . .
{ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } أي : يوفر عليكم جزاؤه مضاعفاً ، وفي هذا ، وفيما قبله ، قطع عذرهم في عدم الإنفاق ، إذ الذي ينفقونه هو لهم حيث يكونون محتاجين إليه ، فيوفون كاملاً موفراً ، فينبغي أن يكون إنفاقهم على أحسن الوجوه وأفضلها ، وقد جاء قوله تعالى : { وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ } وقوله / صلى الله عليه وسلم ) في حديث أبي هريرة : ( إذا تصدق العبد بالصدقة وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل ، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه ، أو فصيله ، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد ) . والضمير في : يوفَّ ، عائد على : ما ، ومعنى توفيته : إجزال ثوابه . .
{ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } جملة حالية ، العامل فيها يوفَّ . والمعنى : أنكم لا تنفقون شيئاً من ثواب إنفاقكم . .
{ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ } قال ابن عباس ، ومقاتل : هم أهل الصفة حبسوا أنفسهم على طاعة الله ، ولم يكن لهم شيء ، وكانوا نحواً من أربعمائة . وقال مجاهد : هم فقراء المهاجرين من قريش ، ثم يتناول من كان بصفة الفقر ، وقال سعيد بن جبير : هم قوم أصابتهم جراحات مع النبي صلى الله عليه وسلم ) ، فصاروا زمنى ، واختار هذا الكسائي ، وقال : أحصروا من المرض ، ولو أراد الحبس من العدو لقال : حصروا ، وقد تقدّم الكلام على الإحصار والحصر في قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ } وثبت من اللغة هناك أنه يقال في كل منهما أحصر وحصر ، وحكاه ابن سيده . .
وقال السدي : أحصروا من خوف الكفار ، إذ أحاطوا بهم ، وقال قتادة : حبسوا أنفسهم للغزو ، ومنعهم الفقر من الغزو ، وقال محمد بن الفضل : منعهم علو همتهم عن رفع حاجتهم إلاَّ إلى الله . وقال الزمخشري : أحصرهم الجهاد ، لا يستطيعون لاشتغالهم به ضرباً في الأرض للكسب . إنتهى . .
و : للفقراء ، في موضع الخبر مبتدأ محذوف ، وكأنه جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : لمن هذه الصدقات المحثوث على فعلها ؟ فقيل : للفقراء ، أي : هي للفقراء . فبين مصرف النفقة . وقيل : تتعلق اللام بفعل محذوف ، تقديره : أعجبوا للفقراء ، أو اعمدوا للفقراء ، واجعلوا ما تنفقون للفقراء ، وأبعد القفال في تقدير : إن تبدوا الصدقات للفقراء ، وكذلك من علقه بقوله : { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } وكذلك من جعل : للفقراء ، بدلاً من قوله : فلأنفسكم ، لكثرة الفواصل المانعة من ذلك . .
{ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الاْرْضِ } أي تصرفاً فيها ، إمّا لَزَمنِمِ وإمّا لخوفهم من العدو لقلتهم ، فقلتهم