@ 326 @ حذف الجملة الواقعة جواباً ، وإبقاء معمول لبعضها ، لأنه متى دخلت الفاء على المضارع فإنما هو على إضمار مبتدأ ، كقوله تعالى { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } أي فهو ينتقم ، فكذلك يحتاج إلى هذا التقدير هنا أي : فهي ، أي : الجنة يصيبها طل ، وأما في التقديرين السابقين فلا يحتاج إلاَّ إلى حذف أحد جزئي الجملة ، ونظير ما في الآية قوله : % ( ألا إن لا تكن إبل فمعزى % .
كأن قرون جلتها العصيّ .
) % .
{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } قرأ الزهري ، بالياء ، فظاهره أن الضمير يعود على المنافقين ، ويحتمل أن يكون عاماً فلا يختص بالمنافقين ، بل يعود على الناس أجمعين . .
وقرأ الجمهور بالتاء ، على الخطاب ، وفيه التفات . والمعنى : أنه تعالى لا يخفى عليه شيء من الأعمال والمقاصد من رياء وإخلاص ، وفيه وعد ووعيد . .
{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ } لما تقدّم النهي عن إبطال الصدقة بالمن والأذى ، وشبه فاعل ذلك بالمنفق رئاء ، ومثل حاله بالصفوان المذكور ، ثم مثل حال من أنفق ابتغاء وجه الله ، أعقب ذلك كله بهذه الآية ، فقال السدّي : هذا مثل آخر للمرائي وقال ابن زيد : هو مثل للمان في الصدقة ، وقال مجاهد ، وقتادة ، والربيع ، وغيرهم : للمفرط في الطاعة . وقال ابن جريج : لمن أعطي الشباب والمال ، فلم يعمل حتى سلبا وقال ابن عباس : لمن عمل أنواع الطاعات كجنة فيها من كل الثمرات ، فختمها بإساءة كإعصار ، فشبه تحسره حين لا عود ، بتحسر كبير هلكت جنته أحوج ما كان إليها ، وأعجز عن عمارتها ، وروي نحو من هذا عن عمر وقال الحسن : هذا مثل قل والله من يعقله : شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه ، أفقر ما كان إلى جنته ، وأن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا . .
والهمزة للاستفهام ، والمعنى على التبعيد والنفي ، أي : ما يود أحد ذلك ؟ و : أحد ، هنا ليس المختص بالنفي وشهبه ، وإنما المعنى : أيود واحد منكم ؟ على طريق البدلية . .
وقرأ الحسن : جنات ، بالجمع . .
{ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } لما كان النخيل والأعناب أكرم الشجر وأكثرها منافع ، خصا بالذكر ، وجعلت الجنة منهما ، وإن كان في الجنة غيرهما ، وحيث جاء في القرآن ذكر هذا ، نص على النخيل دون الثمرة . وعلى ثمرة الكرم دون الكرم ، وذلك لأن أعظم منافع الكرم هو ثمرته دون أصله ، والنخيل كله منافعه عظيمة ، توازي منفعة ثمرته من خشبه وجريده وليفه وخوصه ، وسائر ما يشتمل عليه ، فلذلك ، والله أعلم ، اقتصر على ذكر النخيل وثمرة الكرم . .
{ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ } تقدّم شرح هذا في أول هذه السورة . .
{ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَراتِ } هذا يدل على أنه فيه أشجار غير النخيل والكرم ، كما ذكرنا قبل هذا الظاهر ، وأجاز الزمخشري أن يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيها . .
وهذه الجملة مركبة من مبتدأ وخبر ، فعلى مذهب الأخفش : من ، زائدة التقدير : له فيها كل الثمرات ، على إرادة التكثير . بلفظ العموم ، لا أن العموم مراد ، ولا يجوز أن تكون زائدة على مذهب الكوفيين ، لأنهم شرطوا في زيادتها أن يكون بعدها نكرة ، نحو : قد كان من مطر ، وأما على مذهب جمهور البصريين ، فلا يجوز زيادتها ، لأنهم شرطوا أن يكون قبلها غير موجب ، وبعدها نكرة ، ويحتاج هذا إلى تقييد ، قد ذكرناه في كتاب ( منهج السالك ) من تأليفنا . ويتخرج مذهب جمهور البصريين على حذف المبتدأ المحذوف تقديره ، له فيها رزق ، أو : ثمرات من كل الثمرات . ونظيره في الحذف قول الشاعر :