@ 324 @ فإن قلت : فما معنى التبعيض ؟ .
قلت : معناه أن من بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ، ومن بذل ماله وروحه معاً فهو الذي ثبتها كلها { وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } إنتهى . والظاهر أن نفسه هي التي تثبته وتحمله على الإنفاق في سبيل الله ، ليس له محرك إلاَّ هي ، لما اعتقدته من الإيمان وجزيل الثواب ، فهي الباعثه له على ذلك ، والمثبتة له بحسن إيمانها وجليل اعتقادها . .
وقرأ عاصم الجحدري { كَمَثَلِ حَبَّةٍ } بالحاء والباء في : بربوة ، ظرفية ، وهي في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف . وخص الربوة لحسن شجرها وزكاء ثمرها . كما قال الشاعر ، وهو الخليل بن أحمد ، رحمه الله تعالى : % ( ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت % .
عن المعاطش واستغنت بسقياها .
شع فمال بالخوخ والرمان أسفلُها .
واعتم بالنخل والزيتون أعلاها .
تفسير ابن عباس : الربوة ، بالمكان المرتفع الذي لا يجرى فيه الأنهار ، إنما يريد المذكورة لقوله : { أَصَابَهَا وَابِلٌ } فدل على أنها ليس فيها ماء جار ، ولم يرد أن جنس الربوة لا يجرى فيها ماء ، ألا ترى قوله تعالى : { إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } وخصت بأن سقياها الوابل لا الماء الجاري فيها على عادة بلاد العرب بما يحسونه كثيراً . .
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : المفسرون قالوا : البستان إذا كان في ربوة كان أحسن ، وأكثر ريعاً ، وفيه لي أشكال ، لأنه يكون فوق الماء ، ولا ترتفع إليه الأنهار ، وتضربه الرياح كثيراً ، فلا يحسن ريعه . وإذا كان في وهدة انصبت إليه المياء ، ولا تصل إليه آثار الرياح ، فلا يحسن أيضاً ريعه ، وإنما يحسن ريعه في أرض مستوية ، فالمراد بالربوة ليس ما ذكروه ، وإنما هو كون الأرض طيبة بحيث إذا نظر نزول المطر عليها انتفخت وربت ، فيكثر ريعها ، وتكمل الأشجار فيها . ويؤيده : { وَتَرَى الاْرْضَ هَامِدَةً } الآية . وأنه في مقابلة المثل الأول ، والأول لا يؤثر فيه المطر ، وهو : الصفوان . انتهى كلامه . وفيه بعض تلخيص ، وما قاله قاله قبله الحسن . الربوة الأرض المستوية التي لا تعلو فوق الماء . وقال الشاعر في رياض الحزن : % ( ما روضة من رياض الحَزْنِ معشبة % .
خضراء جاد عليها وابل هطل .
ولا يراد : برياض الحزن ، رياض الربا ، كما زعم الطبري ، بل : رياض الحزن هي المنسوبة إلى نجد ، ونجد يقال لها : الحزن ، وإنما نسبت الروضة إلى الحزن وهو نجد ، لأن نباته أعطر ، ونسيمه أبرد ، وأرق . فهي خير من رياض تهامة . .
.
) % .
وقرأ ابن عامر ، وعاصم بفتح الراء ، وباقي السبعة بالضم . وكذلك خلافهم في { قَدْ أَفْلَحَ } وقرأ ابن عباس بكسر الراء وقرأ أبو جعفر ، وأبو عبد الرحمن : برباوة ، على وزن : كراهة . وأبو الأشهب العقيلي : برباوة ، على وزن رسالة . .
{ أَصَابَهَا وَابِلٌ } جملة في موضع الصفة لجنة ، وبدىء بالوصف بالمجرور ، ثم بالوصف بالجملة ، وهذا الأكثر في لسان العرب ، وبدىء بالوصف الثابت ، وهو : كونها بربوة ، ثم بالوصف العارض ، وهو { أَصَابَهَا وَابِلٌ } وجاء في وصف صفوان قوله : عليه تراب ، ثم عطف عليه بالفاء ، وهنا لم يعطف ، بل أخرج صفة ، وينظر ما الفرق بين الموضعين ، وجوَّز أن يكون : { أَصَابَهَا وَابِلٌ } حالاً من جنة . لأنها نكرة ، وقد وصفت حالاً من الضمير في الجار والمجرور . .
{ فَأَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ } آتت بمعنى : أعطت ، والمفعول الأول محذوف ، التقدير : فآتت صاحبها ، أو : أهلها أكلها . كما حذف في قوله { كَمَثَلِ جَنَّةٍ } أي : صاحب أو : غارس جنة ، ولأن المقصود ذكر ما يثمر لا لمن تثمر ، إذ هو معلوم ، ونصب : ضعفين ، على الحال ، ومن زعم أن : ضعفين ، مفعول ثان : لآتت ، فهو ساه ، وليس المعنى عليه ، وكذلك قول من زعم إن آتت بمعنى أخرجت ، وأنها تتعدى لواحد ، إذ لا يعلم ذلك في لسان العرب ، ونسبة الإيتاء إليها مجاز ، والأكل بضم الهمزة الشيء