@ 306 @ في موضع البدل من العظام ، وذلك أن : انظر ، البصرية تتعدى بإلى ، ويجوز فيها التعليق ، فتقول : انظر كيف يصنع زيد ، قال تعالى : { انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } فتكون هذه الجملة في موضع نصب على المفعول : بانظر ، لأن ما يتعدّى بحرف الجر ، إذا علق صار يتعدى لمفعول ، تقول : فكرت في أمر زيد ، ثم تقول : فكرت هل يجيء زيد ؟ فيكون : هل يجيء زيد ، في موضع نصب على المفعول بفكرت ، فكيف ، ننشرها بدل من العظام على الموضع ، لأن موضعه نصب ، وهو على حذف مضاف أي : فأنظر إلى حال العظام كيف ننشزها ، ونظير ذلك قول العرب : عرقت زيداً أبو من هو : على أحد الأوجه فالجملة من قولك : أبو من هو في موضع البدل من قوله زيداً مفعول عرفت ، وهو على حذف مضاف ، التقدير : عرفت قصة زيد أبو من . وليس الاستفهام في باب التعليق مراداً به معناه ، بل هذا من المواضع التي جرت في لسان العرب مغلباً عليها أحكام اللفظ دون المعنى ، ونظير ذلك : أيّ ، في باب الاختصاص . في نحو قولهم : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة ، غلب عليها أكثر أحكام النداء وليس المعنى على النداء ، وقد تقدّم من قولنا ، إن كلام العرب على ثلاثة أقسام : قسم يكون فيه اللفظ مطابقاً للمعنى ، وهو أكثر كلام العرب . وقسم يغلب فيه أحكام اللفظ كهذا الاستفهام الواقع في التعليق ، والواقع في التسوية . وقسم يغلب فيه أحكام المعنى نحو : أقائم الزيدان . وقد أمعنا الكلام على مسألة الاستفهام الواقع في التعليق في كتابنا الكبير المسمى ( بالتذكرة ) وهي إحدى المسائل التي سألني عنها قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي القشيري ، عرف بابن دقيق العيد ؛ وسألني أن أكتب له فيها ، وكان سؤاله في قوله عليه السلام : ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) . .
{ ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } الكسوة حقيقة هي ما وارى الجسد من الثياب ، واستعارها هنا لما أنشأ من اللحم الذي غطى به العظم . كقوله : { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً } وهي استعارة في غاية الحسن ، إذ هي استعارة عين لعين ، وقد جاءت الاستعارة في المعنى للجرم قال النابغة : % ( الحمد لله إذ لم يأتني أجلي % .
حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً .
) % .
وروي أنه كان يشاهد اللحم والعصب والعروق كيف تلئم وتتواصل ، والذي يدل عليه ظاهر اللفظ : أن قول الله له كان بعد تمام بعثه ، لا أن القول كان بعد إحياء بعضه . .
والتعقيب بالفاء في قوله : فانظر إلى آخره ، يدل على أن العظام لا يراد بها عظام نفسه ، وتقدّم ذكر شيء من هذا ، إلاَّ إن كان وضع : ننشرها ، مكان : أنشرتها ، و : نكسوها ، مكان : كسوتها ، فيحتمل . وتكرر الأمر بالنظر إلى الطعام والشراب في الثلاث الخوارق ، ولم ينسق نسق المفردات ، لأن كل واحد منها خارق عظيم ، ومعجز بالغ ، وبدأ أولاً بالنظر إلى العظام والشراب حيث لم يتغيرا على طول هذه المدة ، لأن ذلك أبلغ ، إذ هما من الأشياء التي يتسارع إليها الفساد ، إذ ما قام به الحياة وهو الحمار يمكن بقاؤه الزمان الطويل ، ويمكن أن يحتش بنفسه ويأكل ويرد المياه . كما قال صلى الله عليه وسلم ) في ضالة الإبل : ( معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها ) . ولما أمر بالنظر إلى الطعام والشراب ، وبالنظر إلى الحمار ، وهذه الأشياء هي التي كانت صحبته ، وقال تعالى : { وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً * النَّاسِ } أي فعلنا ذلك : ولما كان قوله : { وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ } كالمجمل ، بين له جهة النظر بالنسبة إلى الحمار ، فجاء النظر الثالث توضيحاً للنظر الثاني ، من أي جهة ينظر إلى الحمار ، وهي جهة إحيائه وارتفاع عظامه شيئاً فشيئاً عند التركيب وكسوتها اللحم ، فليس نظراً مستقلاً ، بل هو من تمام النظر الثاني ، فلذلك حسن الفصل بين النظرين بقوله : { وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً لِلنَّاسِ } . .
وليس في الكلام تقديم وتأخير كما زعم بعضهم ، وأن الأنظار منسوق بعضها على بعض ، وأن قوله