@ 276 @ أحدهما : النصب على الاستثناء وهو الأفصح : والثاني : أن يكون ما بعد : إلاَّ ، تابعاً لإعراب المستثنى منه ، إن رفعاً فرفع ، أو نصباً فنصب ، أو جراً فجر ، فتقول : قام القوم إلاَّ زيد ، ورأيت القوم إلاَّ زيداً ، ومررت بالقوم إلاَّ زيد : وسواء كان ما قبل : إلاَّ ، مظهراً أو مضمراً . واختلفوا في إعرابه ، فقيل : هو تابع على أنه نعت لما قبله ، فمنهم من حمل هذا على ظاهر العبارة . وقال : ينعت بما بعد : إلاَّ ، الظاهر والمضمر ، ومنهم من قال : لا ينعت به إلاَّ النكرة أو المعرفة بلام الجنس ، فإن كان معرفة بالإضافة نحو : قام اخوتك ، أو بالألف واللام للعهد ، أو بغير ذلك من وجوه التعاريف غير لام الجنس ، فلا يجوز الاتباع ، ويلزم النصب على الاستثناء . ومنهم من قال : إن النحويين يعنون بالنعت هنا عطف البيان ، ومن الاتباع بعد الموجب قوله : % ( وكل أخ مفارقه أخوه % .
لعمر أبيك إلاَّ الفرقدان .
) % .
وهذه المسألة مستوفاة في علم النحو . .
وإنما أردنا أن ننبه على أن تأويل الزمخشري هذا الموجب بمعنى النفي لا نضطر إليه ، وأنه كان غير ذاكر لما قرره النحويون في الموجب . .
{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ } ظاهره أنه ما جاز النهر إلاَّ هو والمؤمنون ، وكذلك روي عن ابن عباس ، والسدي : أن الذين شربوا وخالفوا انحرفوا ، ولم يجاوزوا ، وقيل : بل كلهم جاوز لكن لم يحضر القتال إلاَّ القليل . .
وجاوز : فاعل فيه بمعنى فعل ، أي جاز . والذين آمنوا معه : عدة أهل بدر وقال ابن عباس ، والسدي : جاز معه أربعة آلاف . قال ابن عباس : منهم من شرب ، قالا : فلما نظروا إلى جالوت وجنوده ، قالوا لا طاقة لنا اليوم ، ورجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ، وأكثر المفسرين على أنه إنما جاوز النهر من لم يشرب إلاَّ غرفة . ومن لم يشرب جملة . ثم اختلفت بصائر هؤلاء ، فبعض كع ، وقليل صم ، و : هو ، توكيد للضمير المستكن في جاوزه ، و : الذين ، يحتمل أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن ، ويحتمل أن تكون الواو للحال ويلزم من الحال أن يكونوا جاوزوا معه ، والأظهر أن يكون للعطف وإدغام جاوزه في هو ضعيف ، ولا يستحسن ، إلاَّ إن كانت الهاء مختلسة لا إمالة لها . .
{ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } قائل ذلك الكفرة الذين انخزلوا ، وهو الفاعل في شربوا ، قاله ابن عباس والسدي . وقيل : من قلت بصيرته من المؤمنين ، وهم الذين جاوزوا النهر وهم القليل ، قاله الحسن ، وقتادة ، والزجاج . .
طاقة : من الطوق ، وهو القوة ، وهو من : أطاق ، كأطاع طاعة ، وأجاب جابة ، وأغار غارة . ويتعلق : لنا ، بمحذوف إذ هو في موضع الخبر ، ولا يجوز أن يتعلق : بطاقة ، لأنه كان يكون طاقة مطولاً ، فيلزم تنوين ، واليوم منصوب بما تعلق به لنا وبجالوت : متعلق به . وأجاز بعضهم أن يكون : بجالوت ، في موضع الخبر ، وليس المعنى على ذلك . .
{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ * اللَّهِ } يحتمل أن يكون الظن على بابه ، ومعنى : ملاقو الله ، أي يستشهدون في ذلك اليوم لعزمهم على صدق القتال ، وتصميمهم على لقاء أعدائهم ، كما جرى لعبد الله بن حزام في أحد ، وغيره قاله الزجاج في آخرين . وقيل : ملاقو ثواب الله بسبب الطاعة . لأن كل أحد لا يعلم عاقبة أمره فلا بد من أن يكون ظاناً ، وقيل : ملاقو طاعة الله ، لأنه لا يقطع أن عمله هذا إطاعة ، لأنه ربما شابه شيء من الرياء والسمعة ، وقيل : ملاقو وعد الله إياهم بالنصر ، لأنه وإن كان مقطوعاً به فهو مظنون في المرة الأولى ، ويحتمل أن يكون الظن بمعنى الإيقان : أي : يوقنون بالبعث والرجوع إلى الله قاله السدي في آخرين . .
{ كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ } . هذا القول تحريض من العازمين على القتال وحض عليه ، واستشعار للصبر واقتداء بمن صدّق الله .