@ 271 @ عنهم في حديث أسيد ، وجعلوا ذوي السكينة لأن إيمانهم في غاية الطمأنينة ، وطواعيتهم دائمة لا يعصون الله ما أمرهم ، وقد جاء في ( الصحيح ) : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السكينة . وحفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ) . .
فنزول السكينة عليهم كناية عن التباسهم بطمأنينة الإيمان ، واستقرار ذلك في قلوبهم ، لأن من تلا كتاب الله وتدارسه يحصل له بالتدبر في معانيه . والتفكر في أساليبه ، ما يطمئن إليه قلبه ، وتستقر له نفسه ، وكأنه كان قبل التلاوة له والدراسة خالياً من ذلك ، فحين تلا نزل ذلك عليه . .
وقد قال بهذا المعنى بعض المفسرين ، قال قتادة السكينة هنا الوقار . وقال عطاء : ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها ، وقال نحوه الزجاج . .
وقال الزمخشري : التابوت صندوق التوراة ، كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون ، والسكينة : السكون والطمأنينة ، وذكر عن عليّ أن السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، وهي ريح هفافة ، وقيل : السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت ، لها رأس كرأس الهر ، وذنب كذنبه ، وجناحان ، فتئن فيزف التابوت نحو العدو ، وهم يمضون معه ، فإذا استقر ثبتت وسكنوا ، ونزل النصر . وقيل : بالسكينة بشارات من كتب الله المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء ، فإن الله ينصر طالوت وجنوده ، ويقال : جعل تعالى سكينة بني إسرائيل في التابوت الذي فيه رضاض الألواح ، والعصا ، وآثار أصحاب نبوتهم ، وجعل تعالى سكينة هذه الآمة في قلوبهم ، وفرق بين مقر تداولته الأيدى ، قد فر مرة ، وغلب عليه مرة ، وبين مقربين أصبعين من أصابع الرحمن . .
وقرأ أبو السماك : سكينة ، بتشديد الكاف وارتفاع سكينة ، بقوله : فيه ، وهو في موضع الحال ، أي : كائناً فيه سكينة . و : من ، لابتداء الغاية ، أي : كائنة من ربكم ، فهو في موضع الصفة ، أو متعلقاً بما تعلق به قوله : فيه ، ويحتمل أن يكون للتبعيض على تقدير حذف مضاف ، أي : من سكينات ربكم . .
والبقية ؛ قيل : رضاض الألواح التي تكسرت حين ألقاها موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، قاله عكرمة . وقيل : عصا موسى قاله وهب وقيل : عصا موسى وهارون وثيابهما ولوحان من التوراة المنّ ، قاله أبو صالح . وقيل : العلم والتوراة قاله مجاهد ، وعطاء وقيل : رضاض الألواح وطست من ذهب وعصا موسى وعمامته ، قاله مقاتل وقيل : ققيز من منّ ورضاض الألواح حكاه سفيان الثوري وقيل : العصا والنعلان ، حكاه الثوري أيضاً ، وقيل : الجهاد في سبيل الله ، وبذلك أمروا ، قاله الضحاك . وقيل : التوراة ورضاض الألواح قاله السدّي . وقيل : لوحان من التوراة ، وثياب موسى وهارون وعصواهما ، وكلمة الله : لا إله إلا الله الحكيم الكريم ، وسبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، وقيل : عصا موسى وأمور من التوراة ، قاله الربيع . ويحتمل أن يكون مجموع ما ذكر في التابوت ، فأخبر كل قائل عن بعض ما فيه ، وانحصر بهذه الأقوال ما في التابوت من البقية . .
{ مّمَّا تَرَكَ } في موضع الصفة لبقية ، و : من ، للتبعيض . .
و : { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ } هم من الأنبياء ، إليهما من قرابة أو شريعة ، والذي يظهر أن آل موسى وآل هارون هم الأنبياء الذين أتوا بعدهما ، فإنهم كانوا يتوارثون ذلك إلى أن فقد . ونذكر كيفية فقده إن شاء الله . .
وقال الزمخشضري : ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون ، والآل مقحم لتفخيم شأنهما . إنتهى . وقال غيره : آل هنا زائدة ، والتقدير : مما ترك موسى وهارون ، ومنه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى آل أبي أوفى ، يريد نفسه ، ولقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود ، أي : من مزامير داود ومنه قول جميل :