@ 263 @ فمن الأولى تبعيضية و : من ، الثانية لابتداء الغاية ، إذ العامل في هذا الظرف ، قالوا : تر ، وقالوا : هو بدل من : بعد ، لأنهما زمانان لبني إسرائيل ، ولا كلاهما لا يصح . .
أما الأول : فإن ألم تر تقرير ، والمعنى : قد انتهى علمك إلى الملأ من بني إسرائيل ، وقد نظرت إلى بني إسرائيل إذ قالوا ، وليس انتهاء عليه إليهم ، ولا نظره إليهم كان في وقت قولهم لنبي لهم : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } وإذا لم يكن ظرفاً للإنتهاء ، ولا للنظر ، فكيف يكون معمولاً لهما ، أو لأحدهما ؟ هذا ما لا يصح . .
وأما الثاني : فبعيد جداً ، لأنه لو كان بدلاً من : بعد ، لكان على تقدير العامل ، وهو لا يصح دخوله عليه ، أعنى : من ، الداخلة على : بعد ، لا تدخل على : إذ ، لا تقول : من إذ ، ولو كان من الظروف التي يدخل عليها : من ، كوقت وحين ، لم يصح المعنى أيضاً ، لأن : من ، بعد : موسى ، حال ، كما قرّرناه . إذا العامل فيه : كائنين ، ولو قلت : كائنين من حين قالوا لنبي لهم إبعث لنا ملكاً ، لما صح هذا المعنى ، وإذا بطل هذان الوجهان ، فينظر ما يعمل فيه مما يصح به المعنى ، وقد وجدناه ، وهو : أن يكون ثَمَّ محذوف به يصح المعنى ، وهو العامل ، وذلك المحذوف تقديره : ألم تر إلى قصة الملأ ، أو : حديث الملأ ، وما في معناه . لأن الذوات لا يتعجب منها ، وانما يتعجب مما جرى لهم ، فصار المعنى : ألم تر إلى ما جرى للملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ، إذ قالوا ؟ فالعامل في : إذ ، هو ذلك المحذوف ، والمعنى على تقديره ، وتعلق قوله : لنبي ، بقالوا ، واللام فيه كما تقدّم للتبليغ ، واسم هذا النبي : شمويل بن بالي ، قاله ابن عباس ووهب بن منبه ، أو : شمعون ، قاله السدي ، أو يوشع بن نون ، وقال المحاسبي اسمه عيسى ، وضعف قول من قال : إنه يوشع بأن يوشع هو فتى موسى عليه السلام ، وبينه وبين داود قرون كثيرة ، وقد طول المفسرون في هذه ونحن نلخصها فنقول : .
لما مات موسى عليه السلام ، خلف من بعده في بني إسرائيل يوشع يقيم فيهم التوارة ، ثم قبض فخلف حزقيل ، ثم قبض ففشت فهم الأحداث ، حتى عبدوا الأوثان فبعث إليهم إلياس ، ثم من بعده اليسع ، ثم قبض ، فعظمت فيهم الأحداث ، وظهر لهم عدوهم العمالقة قوم جالوت ، كانوا سكان ساحل بحر الروم ، بين مصر وفلسطين ، وظهروا عليهم وغلبوا على كثير من بلادهم ، وأسروا من أبناء ملوكهم كثيراً ، وضربوا عليهم الجزية ، وأخذوا توراتهم ، ولم يكن لهم من يدبر أمرهم ، وسألوا الله أن يبعث لهم نبياً يقاتلون معه ، وكان سبط النبوّة هلكوا إلاَّ امرأة حبلى دعت الله أن يرزقها غلاماً ، فرزقها شمويل ، فتعلم التوراة في بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم ؛ وتبناه فلما بلغ النبوّة ، أتاه جبريل وهو نائم إلى جنب الشيخ ، وكان لا يأمن عليه ، فدعاه بلحن الشيخ : يا شمويل ، فقام فزعاً ، وقال : يا أبتِ دعوتني ، فكره أن يقول له : لا ، فيفزع ، فقال : يا بني نم ، فجرى بذلك له مرتين ، فقال له : إن دعوتك الثالثة فلا تجبني ، فظهر له جبريل ، فقال له إذهب فبلغ قومك رسالة ربك ، قد بعثك نبياً فأتاهم فكذبوه ، وقالوا إن كنت صادقاً فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوتك وكان قوام بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك ، وكان الملك يسير بالجموع ، والنبي يسدّده ويرشده وقال وهب : بعث شمويل نبياً فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ، وكان الله أسقط عنهم الجهاد إلاَّ من قاتلهم ، فلما كتب عليهم القتال تولوا ، ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان . .
ومعنى : ابعث لنا ملكاً : انهض لنا من نصدّر عنه في تدبير بالحرب ، وننتهي إبلى أمره ، وانجزم : نقاتل ، على جواب الأمر . .
وقرأ الجمهور بالنونن والجزم ، والضحاك ، وابن أبي عبلة بالياء ورفع اللام على الصفة للملك ؛ وقرىء بالنون ورفع اللام على بالحال من المجرور وقرىء بالياء والجزم على جواب الأمر . .
{ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ * أَن لا * تُقَاتِلُواْ } لما طلبوا من نبيهم أن ينهض لهم ملكاً ، ورتبوا على بعثه أن يقاتلوا وكانوا قد ذلوا ، وسبي ملوكهم ، فأخذتهم الأنفة ، ورغبوا في الجهاد ، أراد أن يسثبت ما طلبوه من الجهاد ، وأن يتعرف ما انطوت عليه