@ 224 @ مقام الفاعل إذا حذف نحو : مرّ بزيد . .
وذهب الكوفيون إلى أن ذلك لا يجوز إلاَّ فيما حرف الجر فيه زائد ، نحو : ما ضرب من أحدٍ ، فإن كان حرف الجر غير زائد لم يجز ذلك عندهم ، ولا يجوز أن يكون الاسم المجرور في موضع رفع باتفاق منهم . .
واختلفوا بعد هذا الاتفاق في الذي أقيم مقام الفاعل ، فذهب الفراء إلى أن حرف الجر وحده في موضع رفع ، كما أن : يقوم من ؟ زيد يقوم . في موضع رفع ، وذهب الكسائي وهشام إلى أن مفعول الفعل ضمير مبهم مستتر في الفعل ، وإبهامه من حيث ، إنه يحتمل أن يراد به ما يدل عليه الفعل من مصدر ، أو ظرف زمان ، أو ظرف مكان ، ولم يقم الدليل على أن المراد به بعض ذلك دون بعض ، ومنهم من ذهب إلى أن مرفوع الفعل ضمير عائد على المصدر ، والتقدير : سير هو ، يريد : أي سير السير ، والضمير يعود على المصدر المفهوم من الفعل ، وهذا سائغ عند بعض البصريين ، وممنوع عند محققي البصريين ، والنظر في دلائل هذه المذاهب تصحيحاً وإبطالاً يذكر في عالم النحو . .
وقد وهم بعض كبرائنا ، فذكر في كتابه المسمى ب ( الشرح لجمل الزجاجي ) أن النحويين أجمعوا على جواز إقامة المجرور مقام الفاعل إلاَّ السهيلي ، فإنه منع ذلك ، وليس كما ذكر ، إذ قد ذكرنا الخلاف عن الفراء ، والكسائي ، وهشام . والتفصيل في المجرور . وممن تبع السهيلي على قوله : تلميذه أبو علي الزيدي شارح ( الجمل ) . .
و : المولود له ، هو الوالد ، وهو الأب ، ولم يأت بلفظ الوالد ، ولا بلفظ الأب ، بل جاء بلفظ : المولود له ، لما في ذلك من إعلام الأب ما منح الله له وأعطاه ، إذ اللام في : له ، معناها شبه التمليك كقوله تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْواجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } وهو أحد المعاني التي ذكرناها في اللام في أول الفاتحة ، ولذلك يتصرف الوالد في ولده بما يختار ، وتجد الولد في الغالب مطيعاً لأبيه ، ممتثلاً ما أمر به ، منفذاً ما أوصى به ، فالأولاد في الحقيقة هم للآباء ، وينتسبون إليهم لا إلى أمهاتهم ، كما أنشد المأمون بن الرشيد ، وكانت أمه جارية طباخة تدعى مراجل ، قال : % ( فإنما أمهات الناس أوعية % .
مستودعات وللابناء آباء .
) % .
فلما كان لفظ : المولود ، مشعراً بالمنحة وسبه التمليك ، أتى به دون لفظ : الوالد ، ولفظ : الأب ، وحيث لم يرد هذا المعنى أتى بلفظ الوالد ولفظ الاب ، كما قال تعالى : { لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } وقال : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِىءابَائِهِنَّ } . .
ولطيفة أخرى في قوله : { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } وهو أنه لما كلف بمؤن المرضعة لولده من الرزق والكسوة ، ناسب أن يسلى بأن ذلك الولد هو وُلِد لك لا لأمه ، وأنك الذي تنتفع به في التناصر وتكثير العشيرة ، وأن لك عليه الطواعية كما كان عليك لأجله كلفة الرزق ، والكسوة لمرضعته . .
وفسر ابن عطية هنا ، الرزق ، بأنه الطعام الكافي ، فجعله إسما للمرزوق . كالطحن والرعي . وقال الزمخشري : فكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن ، فشرح الرزق : بأن والفعل اللذين ينسَبكُ منهما المصدر ، ويحتمل الرزق الوجهين من إرادة المرزوق ، وإرادة المصدر . .
وقد ذكرنا أن : رزقاً بكسر الراء ، حكي مصدراً ، كرزق بفتحها فيما تقدم ، وقد جعله مصدراً أبو علي الفارسي في قوله : { مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * شَيْئاً } وقد رد ذلك عليه ابن الطراوة ، وسيأتي ذلك في مكانه إن شاء الله تعالى . .
ومعنى : بالمعروف ، ما جرى به العرف من نفقة وكسوة لمثلها ، بحيث لا يكون إكثار ولا إقلال ، قاله الضحاك وقال ابن عطية : بالمعروف ، يجمع جنس القدر في الطعام ، وجودة الاقتضاء له ، وحسن الاقتضاء من المرأة . انتهى كلامه . .
ولا يدل على حسن الاقتضاء من المرأة ، لأن الآية إنما هي فيما يجب على