@ 221 @ حق لما نهى عنه ، فلا يستدل بالنهي على إثبات الحق ، وظاهره العقد . .
وظاهر الآية إذا كان الخطاب في : فلا تعضلوهنّ ، للأولياء النهي عن مطلق العضل ، فيتحقق بعضلها عن خاطب واحد ، وقال مالك : إذا منعها من خاطب أو خاطبين لا يكون بذلك عاضلاً . .
وقال أبو حنيفة : الثيب تزوّج نفسها وتستوفي في المهر ولا اعتراض للوليّ عليها . وهو قول زفر ؛ وإن كان غير كفء جاز ، وللأولياء أن يفرّقوا بينهما . وعلى جواز النكاح بغير وليّ : ابن سيرين ، والشعبي ، والزهري ، وقتادة وقال أبو يوسف : إن سلم الولي نكاحها جاز وإلاَّ فلا ، إلاَّ إن كان كفؤاً فيجيزه القاضي إن أبى الولي أن يسلم ، وهو قول محمد . وروي عن أبي يوسف غير هذا . .
وقال الأوزاعي : إذا ولت أمرها رجلاً ، وكان الزوج كفؤا ، فالنكاح جائز ، وليس للولي أن يفرّق بينهما . وقال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، والثوري ، والحسن بن صالح : لا يجوز النكاح إلاَّ بولي ، وهو مذهب الشافعي وقال الليث : تزوّج نفسها بغير ولي . وقال ابن القاسم ، عن مالك : إذا كانت معتقة ، أو مسكينة ، أو دنيئة ، فلا بأس أن تستخلف رجلاً يزوّجها ، وللأولياء فسخ ذلك قبل الدخول ، وعنه خلاف بعد الدخول ، وإن كانت ذات غنى فلا يجوز أن يزوّجها إلا الولي أو السلطان ، وحجج هذه المذاهب في كتب الفقه . .
{ إِذَا تَراضَوْاْ } : الضمير عائد على الخطاب والنساء ، وغلب المذكر ، فجاء الضمير بالواو ، ومن جعل للأولياء ذكراً في الآية قالوا : احتمل أن يعود على الأولياء والأزواج . .
والعامل في : إذا ، ينكحن . .
{ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ } الضمير في : بينهم ، ظرف مجازي ناصبه : تراضوا ، بالمعروف : ظاهره أنه متعلق بتراضوا ، وفسر بأنه ما يحسن من الدين والمروءة في الشرائط ، وقيل : مهر المثل ، وقيل : المهر والإشهاد . ويجوز أن يتعلق : بالمعروف ، بينكحن ، لا : بتراضوا ، ولا يعتقد أن ذلك من الفصل بين العامل والمعمول الذي لا ينتفي ، بل هو من الفصل الفصيح ، لأنه فصل بمعمول الفعل ، وهو قوله : { إِذَا تَراضَوْاْ } فإذا منصوب بقوله : { أَن يَنكِحْنَ } و : بالمعروف ، متعلق به ، فكلاهما معمول للفعل . .
{ ذالِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ } ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ) ، وقيل : لكل سامع ، ثم رجع إلى خطاب الجماعة فقال : منكم ، وقيل : ذلك بمعنى : ذلكم ، وأشار بذلك إلى ما ذكر في الآية من النهي عن العضل ، و : ذلك ، للبعد ناب عن اسم الإشارة الذي للقرب ، وهو : هذا ، وان كان الحكم قريباً ذكره في الآية ، وذلك يكون لعظمة المشير إلى الشيء ، ومعنى : يوعظ به أي يذكر به ، ويخوّف . و : منكم ، متعلق بكان ، أو : بمحذوف في موضع الحال من الضمير المستكن في : يؤمن ، وذكر الإيمان بالله لأنه تعالى هو المكلف لعباده ، الناهي لهم ، والآمر . و : اليوم الآخر ، لأنه هو الذي يحصل به التخويف ، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي . وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلاَّ المؤمن ، إذ نور الإيمان يرشده إلى القبول { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } وسلامة عقله تذهب عنه مداخلة الهوى ، { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الالْبَابِ } . .
{ ذالِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ } أي : التمكن من النكاح أزكى لمن هو بصدد العضل لما له في امتثال أمر الله من الثواب ، وأطهر للزوجين لما يخشى عليهما من الريبة إذا منعا من النكاح ، وذلك بسبب العلاقات التي بين النساء والرجال . .
{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي : يعلم ما تنطوي عليه قلوب الزوجين من ميل كل منهما للآخر ، لذلك نهى تعالى عن العضل ، قال معناه ابن عباس ؛ أو : يعلم ما فيه من اكتساب الثواب وإسقاط العقاب . أو : يعلم بواطن الأمور ومآلها . وأنتم لا تعلمون ذلك ، إنما تعلمون ما ظهر . أو : يعلم من يعمل على وفق هذه التكاليف ومن لا يعمل بها . ويكون المقصود بذلك : تقرير الوعد والوعيد . .
قيل : وتضمنت هذه الآية ستة أنواع من ضروب الفصاحة ، والبلاغة ، من علم البيان . .
الأول : الطباق ، وهو الطلاق والإمساك ، فإنهما ضدان ، والتسريح طباق ثان لأنه ضد الإمساك ، والعلم وعدم العلم ، لأن عدم العلم هو الجهل . .
الثاني : المقابلة في { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } و { لا * تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا } قابل المعروف بالضرار ، والضرار منكر فهذه مقابلة معنوية . .
الثالث : التكرار في : { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } كرر اللفظ لتغيير المعنيين ، وهو غاية الفصاحة ، إذ