@ 209 @ العلم على تحريم أخذ مالها إلاَّ أن يكون النشوز وفساد العشرة من قبلها ، قال ابن المنذر : روينا معنى ذلك عن ابن عباس ، والشعبي ، ومجاهد ، وعطاء ، والنخعي ، وابن سيرين ، والقاسم ، وعروة ، وحميد بن عبد الرحمن ، وقتادة ، والثوري ، ومالك ، وإسحاق ، وأبي ثور . .
وقال مالك ، والشعبي ، وغيرهما : إن كان مع فساد الزوجة ونشوزها فساد من الزوج ، وتفاقم ما بنيهما ، فالفدية جائزة للزوج . قال أبو محمد بن عطية : ومعنى ذلك أن يكون الزوج ، لو ترك فساده لم يزل نشوزها هي ، وأما إن انفرد الزوج بالفساد فلا أعلم أحداً يجيز له الفدية إلاَّ ما روي عن أبي حنيفة أنه قال : إذا جاء الظلم والنشوز من قبله ، فخالعته ، فهو جائز ماض ، وهو آثم لا يحل ما صنع ، ولا يرد ما أخذ ، وبه قال أصحابه : أبو يوسف ، ومحمد ، وزفر ؛ وقال مالك : يمضى الطلاق إذ ذاك ، ويرد عليها مالها . .
وقال الأوزاعي ، في من خالع امرأته وهي مريضة : إن كانت ناشزة كان في ثلثها ، أو غير ناشزة رد عليها وله عليها الرجعة ، قال : ولو اجتمعا على فسخ النكاح قبل البناء منها ، ولم يبن منها نشوز ، لم أر بذلك بأساً . .
وقال الحسن بن صالح ، وعثمان البتي : إن كانت الإساءة من قبله فليس له أن يخلعها ، أو من قبلها فله ذلك على ما تراضيا عليه . .
وظاهر الآية أنه إذا لم يقع الخوف فلا يجوز لها أن تعطي على الفراق ، وشذ بكر بن عبد الله المزني ، فقال : لا يجوز للرجل أن يأخذ من زوجته شيئاً خلعاً ، لا قليلاً ولا كثيراً ، قال : وهذه الآية منسوخة بقوله : { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ } الآية ، وضعف قوله باجماع الأمة على إجازة الفدية ، وبأن المعنى المقترن بآية الفدية غير المعنى الذي في آية إرادة الاستبدال . .
واختلفوا : هل يندرج تحت عموم قوله : { فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } الضرر ، والمجهول ، كالتمر الذي لم يبد صلاحه ، والجمل الشارد ، والعبد الآبق ، والجنين في البطن ، وما يثمره نخلها ، وما تلده غنمها وإرضاع ولدها منه ؟ وكل هذا وما فرعوا عليه مذكور في كتب الفقه . قالوا : وظاهر قوله : { فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } أن الخلع فسخ إذا لم ينوبه الطلاق ، لقوله بعدُ { فَإِن طَلَّقَهَا } وأجمعوا على أن هذه هي الثالثة ، فلو كان الخلع قبلها طلاقاً لكانت رابعة ، وهو خلاف الإجماع قاله ابن عباس ، وطاووس ، وعكرمة ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور . .
وروي عن علي ، وعثمان ، وابن مسعود ، وجماعة من التابعين : أنه طلاق ، وبه قال الجمهور : مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي . .
ولا يدل ظاهرها على أن الخلع فسخ كما ذكروا ، لأن الآية إنما جيء بها لبيان أحكام الخلع من غير تعرض له ، أهو فسخ أم طلاق ؟ فلو نوى تطليقتين أو ثلاثاً فقال مالك : هو ما نوى ، وقال أبو حنيفة : إن نوى ثلاثاً فثلاثاً أو اثنتين فواحدة بائنة . .
{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } إشارة إلى الآيات التي تقدمت من قوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ } إلى هنا ، وإبراز الحدود بالاسم الظاهر ، لا بالضمير ، دليل على التعظيم لحدود الله تعالى : وفي تكرار الإضافة تخصيص لها وتشريف ، ويحسن التكرار بالظاهر كون ذلك في جمل مختلفة . .
و : تلك ، مبتدأ ، أو : حدود الله ، الخبر . ومعنى : فلا تعتدوها ، أي : لا تجاوزوها إلى ما لم يأمركم به . .
{ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } لما نهى عن اعتداء الحدود ، وهو تجاوزها ، وكان ذلك خطاباً لمن سبق له الخطاب قبل ذلك ، أتى بهذه الجملة الشرطية العامّة الشاملة لكل فرد فرد ممن يتعدّى الحدو ، وحكم عليهم أنهم الظالمون ، والظلم ، وهو وضع الشيء في غير موضعه ، فشمل بذلك المخاطبين . .
قيل : وغيرهم ، و : من ، شرطية ، والفاء في : فأولئك ، جواب الشرط ، و : حمل ، يتعدّ على اللفظ ، فأفرد ، و : أولئك ، على المعنى . فجمع وأكد بقوله : هم ، وأتى في قوله : الظالمون ، بالالف واللام التي تفيد الحصر ، أو المبالغة في الوصف ، ويحتمل : هم ، أن تكون فصلاً مبتدأ وبدلاً . .