@ 203 @ .
ومنها أن ما دون الثلاث ثبت مع الرجعة ، وأنه إذا طلق اثنتين في الحيض وقعتا ، وإن نسخ الزيادة على الثلاث . .
ولم تتعرض الآية للوقت المسنون فيه إيقاع الطلاق ، وسنتكلم على ذلك في مكان ذكره إن شاء الله تعالى ، وقسموا هذا الطلاق إلى : واجب ، ومحظور ، ومسنون ، ومكروه ، ومباح ، وهذا من علم الفقه ، فنتكلم عليه في كتبه . .
وظاهر الآية العموم فيدخل في الطلاق : الحر والعبد ، فيكون حكمهما سواء ، ونقل أبو بكر الرازي اتفاق السلف وفقهاء الأمصار على أن الزوجين المملوكين ينفصلان بالثنتين ، ولا يحل له بعدهما إلاَّ بعد زوج ، وروي عن ابن عباس ما يخالف شيئاً من هذا ، وهو أن أمر العبد في الطلاق إلى المولى . .
واختلفوا إذا كان أحدهما حراً والآخر رقيقاً ، فقيل : الطلاق بالنساء ، فلو كانت حرة تحت عبد أو حر فطلاقها ثلاث ، أو أمة تحت حر أو عبد فطلاقهما تنتان ، وبه قال أبو علي ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وزفر ، والثوري ، والحسن بن صالح . .
وقيل : الطلاق بالرجال ، فلو كانت أمة تحت حر فطلاقها ثلاث ، أو حرة تحت عبد فطلاقها ثنتان ، وبه قال عمر ، وعثمان البتي . .
والطلاق مصدر طلقت المرأة طلاقاً ، ويكون بمعنى التطليق . كالسلام بمعنى التسليم ، وهو مبتدأ ، ومرتان خبره ، وهو على حذف مضاف ، أي : عدد الطلاق المشروع فيه الرجعة ، أو الطلاق الشرعي المسنون مرتان ، واحتيج إلى تقدير هذا المضاف حتى يكون الخبر هو المبتدأ ، و : مرتان ، تثنية حقيقة ، لأن الطلاق الرجعي أو المسنون ، على اختلاف القولين ، عدده هو مرتان على التفريق ، وقد بينا كونه يكون على التفريق . وقال الزمخشري : ولم يرد بالمرتين التثنية والتكرار كقوله تعالى : { ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ } أي : كرة بعد كرة ، لا كرتين اثنتين ، ونحو ذلك من التتالي التي يراد بها التكريرة ، قولهم : لبيك ، وسعديك ، وحنانيك ، وهذا ذيك ، ودواليك . انتهى كلامه . وهو في الظاهر مناقض لما قال قبل ذلك ، ومخالف لما في نفس الأمر . .
أما مناقضته فإنه قال في تفسير : الطلاق مرتان ، أي : التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق . دون الجمع ، والإرسال دفعة واحدة ، فقوله : تطليقة بعد تطليقة مناقض في الظاهر لقول : ولم يرد بالمرتين التثنية ، لأنك إذا قلت ضربتك ضربة بعد ضربة ، إنما يفهم من ذلك الاقتصار على ضربتين ، وهو مساوٍ في الدلالة لقولك : ضربتك ضربتين ، ولأن قولك : ضربتين ، لا يمكن وقوعهما إلاَّ ضربة بعد ضربة . .
وأما مخالفته لما في نفس الأمر ، فليس هذا من التثنية التي تكون للتكرير ، لأن التثنية التي يراد بها التكرير لا يقتضي بتكريرها ثنتين ولا ثلاث ، بل يدل على التكرير مراراً ، فقولهم : لبيك ، معناه إجابة بعد إجابة فما زاد ، وكذلك أخواتها ، وكذلك قوله : كرتين ، معناه ثم أرجع البصر مراراً كثيرة والتثنية في قوله : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } إنما يراد بها شفع الواحد ، وهو الأصل في التثنية ، ألا ترى أنه لا يراد هنا بقوله : مرتان ، ما يزيد على الثنتين لقوله بعد : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } هي الطلقة الثالثة ؟ ولذلك جاء بعد : { فَإِن طَلَّقَهَا } أي : فإن سرحها الثالثة ، وإذا تقرر هذا ، فليس قوله : مرتان دالاً على التكرار الذي لا يشفع ، بل هو مراد به شفع الواحد ، وإنما غر الزمخشري في ذلك صلاحية التقدير بقوله : الطلاق الشرعي تطليقة بعد تطليقة ، فجعل ذلك من باب التثنية التي لا يشفع الواحد ، ومراد بها التكثير . إلاَّ أنه يعكر عليه أن الأصل شفع الواحد ، وأن التثنية التي لا تشفع الواحد ويراد بها التكرار لا يقتصر بها على الثلاث في التكرار ، ولما حمل الزمخشري قوله تعالى : مرتين ، على أنه من باب التثنية التي يراد بها التكرير ، احتاج أن يتأول قوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } على أنه تخيير لهم ، بعد أن علمهم كيف يطلقون ، بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة والقيام بواجبهنّ ، وبين أن يسرحوهنّ السراح الجميل الذي علمهم . .
وتحصل من هذا الكلام أن قوله تعالى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ }