@ 197 @ العلة التي لأجلها امتنع أن يؤكد الضمير المرفوع المتصل ، حتى يؤكد بمنفصل ، إذا أريد التوكيد للنفس والعين ، ونظير جواز هذا : أحسن بزيد وأجمل ، التقدير : وأجمل به ، فحذف وإن كان فاعلاً ، هذا مذهب البصريين ، ولأنه لما جرّ بالباء خرج في الصورة عن الفاعل ، وصار كالفضلة ، فجاز حذفه : هذا على أن الأخفش ذكر في المسائل جواز : قاموا أنفسهم ، من غير توكيد ، وفائدة التأكيد هنا : أنهنّ يباشرن التربص ، وزوال احتمال أن غيرهنّ تباشر ذلك بهنّ ، بل أنفسهنّ هنّ المأمورات بالتربص ، إذ ذاك أدعى لوقوع الفعل منهنّ ، فاحتيج إلى ذلك التأكيد لما في طباعهنّ من الطموح إلى الرجال والتزويج ، فمتى أكد الكلام دل على شدة المطلوبة . .
وانتصاب : ثلاثة ، على أنه ظرف ، إذ قدرنا : تربص ، قد أخذ مفعوله ، والمعنى : مدة ثلاثة قروء ، وقيل : انتصابه على أنه مفعول ، أي : ينتظرن معنى ثلاثة قروء ، وكلا الإعرابيين منقول . .
وتقدم الكلام في مدلول القروء في لسان العرب ، واختلف في المراد هنا . .
فقال أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبو موسى ، وابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وعكرمة ، والضحاك ، ومقاتل ، والسدي ، والربيع ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وغيرهم من فقهاء الكوفة : هو الحيض . .
وقال زيد بن ثابت ، وعبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، وعائشة ، وابن عمر ، وابن عباس ، والزهري ، وأبان بن عثمان ، وسليمان بن يسار ، والأوزاعي ، والثوري ، والحسن بن صالح ، ومالك ، والشافعي ، وغيرهم من فقهاء الحجاز : هو الطهر . .
وقال أحمد : كنت أقول القرء الطهر ، وأنا الآن أذهب إلى أنه الحيض . .
وروي عن الشافعي : أن القرء : الانتقال من الطهر إلى الحيض ، ولا يرى الانتقال من الحيض إلى الطهر قرءاً . .
وقد تقدّم قول آخر : إنه الخروج من طهر إلى حيض ، أو من حيض إلى طهر . ولذكر ترجيح كل قائل ما ذهب إليه مكان غير هذا . .
وظاهر قوله : ثلاثة قروء ، أن العدّة تنقضي بثلاثة القروء ، ومن قال : إن القرء الحيض يقول ، إذا طلقت في طهر لم توطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة ثم تغتسل ، فبالغسل تنقضي العدة . .
روي عن علي ، وابن مسعود ، وأبي موسى ، وغيرهم من الصحابة : ( أن زوجها أحق بردّها ما لم تغتسل ) حتى قال شريك : لو فرطت في الغسل ، فلم تغتسل عشرين سنة ، كان زوجها أحق بالرجعة والذي يظهر من الآية أن الغسل لا دخول له في انقضاء العدة . .
وروي عن زيد ، وابن عمر ، وعائشة : إذا دخلت في الحيضة الثالثه فلا سبيل له عليها ، ولا تحل للأزواج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ، وذلك أن هؤلاء يقولون بأن القرء هو الطهر ، فإذا اطلقت في طهر لم تمس فيه ، اعتدت بما بقي منه ، ولو ساعة ، ثم استقبلت طهراً ثانياً بعد حيضة ، ثم ثالثاً بعد حيضة ثانية ، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة بأوّل نقطة تراها ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وداود . .
وقال أشهب : لا تنقطع العصمة والميراث إلاَّ بتحقق أنه دم حيض ، لاحتمال أن يكون دفعة دم من غير الحيض ، وكل من قال : إن القرء الاطهار ، يعتد بالطهر الذي طلقت فيه ، وشذا بن شهاب فقال : تعتد بثلاثة أقراء سوى بقية ذلك الطهر ، ولا تنقضي العدة حتى تدخل في الحيضة الرابعة ، لأن الله تعالى قال : { ثَلَاثَةَ قُرُوء } ، ولو ، طلقت في الحيض انقضت عدتها بالشروع في الحيضة الرابعة . .
وقال أبو حنيفة : لا تنقضي عدتها ما لم تطهر من الحيضة الرابعة ، وقال : إذا طهرت لأكثر الحيض انقضت عدتها قبل الغسل أو لأوّله ، فلا تنقضي حتى تغتسل ، أو تتيمم عند عدم الماء ، أو يمضي عليها وقت الصلاة . .
وظاهر عموم المطلقات دخول الزوجة الأمة في الاعتداد بثلاثة قروء ، وبه قال داود ، وجماعة أهل الظاهر ، وعبد الرحمن بن كيسان الأصم ؛ وروي عن ابن سيرين أنه قال : ما أرى عدة الأمة إلاَّ كعدة الحرة ، إلاَّ أن مضت سنة في ذلك ، فالسنة أحق أن تتبع وقال الجمهور : عدتها قُرءان . .
وقرأ الجمهور : وقروء ، على وزن فعول ؛ وقرأ الزهري : قروّ ، بالتشديد من غير همز ، وروي ذلك عن نافع ؛ وقرأ الحسن : قرو بفتح القاف وسكون الراء وواو خفيفة ، وتوجيه الجمع للكثرة في هذا المكان ، ولم يأت : ثلاثة أقراء ، انه من باب التوسع في وضع أحد الجمعين