@ 195 @ على أنه لا يجوز تقديم الكفارة في الإيلاء قبل الفيء على قول من يوجب الكفارة ، لأنه لو جاز ذلك لبطل الإيلاء بغير فيء ولا عزيمة طلاق ، لأنه إن حنث لم يلزم بالحنث شيء ، ومتى لم يلزم الحالف بالحنث شيء لم يكن مولياً ، ففي جواز تقديم الكفارة إسقاط حكم الإيلاء ، قاله محمد بن الحسن ، ومذهب أبي حنيفة ومشهور مذهب مالك : أنه يجوز تقديم الكفارة . وقال الزمخشري : وإن عزموا الطلاق فتربصوا إلى مضي المدة . فإن الله سميع عليم ، وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة ، وعلى قول الشافعي معناه : فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا بعد مضي المدة . انتهى . .
وكان قد تقدّم في تفسير قوله : فإن فاؤوا ، ما نصه فإن فاؤوا في الأشهر ، بدليل قراءة عبد الله ، فإن فاؤوا فيهنّ فإن الله غفور رحيم ، يغفر للمؤمنين ما عسى يقدّمون عليه من طلب ضرار النساء بالإيلاء ، وهو الغالب ، وإن كان يجوز أن يكون على رضى منهن ، خوفاً من طلب ضرار النساء بالإيلاء ، وهو الغالب . وإن كان يجوز أن يكون على رضى منهن خوفاً على الولد من الغيل ، أو لبعض الأسباب لأجل الفيئة التي هي مثل التوبة ، فنزل الزمخشري الآية على مذهب أبي حنيفة ، وغاير بين متعلق الفعلين من الطرفين ، إذ جعل بعد : فاؤوا ، في مدة الأشهر ، وبعد : عزموا ، بعد مضي المدة ، والذي يدل عليه ظاهر اللفظ أن الفيئة والعزم على الطلاق لا يكونان إلا بعد مضي الأشهر ، ولما أحسّ الزمخشري بهذا اعترض على نفسه فقال : فإن قلت : كيف موقع الفاء إذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدة التربص ؟ قلت : موقع صحيح ، لأن قوله : فإن فاؤوا ، وإن عزموا ، تفصيل لقوله : للذين يؤلون من نسائهم ، والتفصيل يعقب المفصل ، كما تقول : أنا نزيلكم هذا الشهر فان أحمدتكم أقمت عندكم ، إلى آخره . وإلاَّ لم أقم إلاَّ ريثما أتحول . انتهى كلامه . وليس بصحيح لأن ما مثل به ليس مطابقاً لما في الآية ، ألا ترى أن المثال فيه إخبار عن المفصل حاله ، وهو قوله : أنا نزيلكم هذا الشهر ، وما بعد الشرطين مصرح فيه بالجواب الدال على اختلاف متعلق فعل الجزاء ، والآية ليس كذلك التركيب فيها ، لأن الذين يؤلون ليس مخبراً عنهم ، ولا مسنداً إليهم حكم ، وإنما المخبر عنه هو : تربصهم ، فالمعنى تربص المولي أربعة أشر مشروع لهم بعد إيلائهم ، ثم قال : فإن فاؤوا ، وإن عزموا ، فالظاهر أنه يعقب تربص المدة المشروعة بأسرها ، لأن الفيئة تكون فيها ، والعزم بعدها ، لأن هذا التقييد المغاير لا يدل عليه اللفظ ، وإنما تطابق الآية أن نقول : للضيف اكرام ثلاثة أيام ، فإن أقام فنحن كرماء مؤثرون ، وإن عزم على الرحيل فله أن يرحل . فالذي يتبادر إليه الذهن أن الشرطين مقدران بعد إكرامه الثلاثة الأيام ، وأما أن يكون المعنى : فإن أقام في مدة الثلاثة الأيام ، وإن عزم على الرحيل بعد ذلك ، فهذا الاختلاف في الطرفين لا يتبادر إليه الذهن ، وإن كان مما يحتمله اللفظ ، وفرق بين الظاهر والمحتمل ، ولا يفرق بين الآية وتمثيل الزمخشري إلاَّ من ارتاض ذهنه في التراكيب العربية ، وعرى من حمل كتاب الله على الفروع المذهبية ، باتباعه الحق واجتنابه العصبية . .
{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } ذكر بعضهم في سبب نزول هذه الآية ما لا يعد سبباً ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة جداً ، لأنه حكم غالب من أحكام النساء ، لأن الطلاق يحصل به المنع من الوطء والاستمتاع دائماً ، وبالإيلاء منع نفسه من الوطء مدة محصورة ، فناسب ذكر غير المحصور بعد ذكر المحصور ، ومشروع تربص المولي أربعة أشهر ، ومشروع تربص هؤلاء ثلاثة قروء ، فناسب ذكرها بعقبها ، وظاهر : والمطلقات ، العموم ، ولكنه مخصوص بالمدخول بهن ذوات الأقراء ، لأن حكم غير المدخول بها ، والحامل ، والآيسة منصوص عليه مخالف لحكم هؤلاء . .
وروي عن ابن عباس وقتادة أن الحكم كان عاماً في المطلقات ، ثم نسخ الحكم من