@ 47 @ قاله مقاتل . .
وروي واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان ، والتوراة لست مضين منه ، والإنجيل لثلاث عشرة ، والقرآن لأربع وعشرين ) . وفي رواية أبي ذر : ( نزلت صحف إبراهيم في ثلاث مضين من رمضان ، وإنجيل عيسى في ثمانية عشر ) ، والجمع بين الروايتين بأن رواية واثلة أخبر فيها عن ابتداء نزول الصحف والإنجيل ، ورواية أبي ذر أخبر فيها عن انتهاء النزول . .
وقرأ ابن كثير القرآن بنقل حركة الهمزة ، إلى الراء ، وحذف الهمزة ، وذلك في جميع القرآن سواء نكر أم عرف بالألف واللام ، أو بالإضافة ، وهذا المختار من توجيه قراءته ، وقد تقدّم قول من قال : إن النون فيه مع عدم الهمز أصلية من قرنت الشيء في الشيء ضممته . .
{ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ } انتصاب : هدىً ، على الحال وهو مصدر وضع موضع أسم الفاعل ، أي : هادياً للناس ، فيكون : للناس ، متعلقاً بلفظ . هدىً ، لما وقع موقع هادٍ ، وذو الحال القرآن ، والعامل : أنزل ، وهي حال لازمة ، لأن كون القرآن هدىً هو لازم له ، وعطف قوله : وبينات ، على : هدىً ، فهو حال أيضاً ، وهي لازمة ، لأن كون القرآن آياتٍ جليات واضحات وصف ثابت له ، وهو من عطف الخاص على العام ، لأن الهدى : منه خفي ومنه جلي ، فنص بالبينات على الجلي من الهدى ، لأن القرآن مشتمل على المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، فذكر عليه أشرف أنواعه ، وهو الذي يتبين الحلال والحرام والموعظة . .
{ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } هذا في موضع الصفة لقوله : هدى وبينات ، أي : أن كون القرآن هدى وبينات هو من جملة هدى الله وبيناته ، والهدى والفرقان يشمل الكتب الإلهية ، فهذا القرآن بعضها ، وعبر عن البينات بالفرقان ، ولم يأت من الهدى والبينات فيطابق العجز الصدر لأن فيه مزيد معنى لازم للبينات ، وهو كونه يفرق به بين الحق والباطل ، فمتى كان الشيء جلياً واضحاً حصل به الفرق ، ولأن في لفظ : الفرقان ، مؤاخاة للفاصلة قبله ، وهو قوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ } ثم قال : { الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } ، ثم قال : { هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } فحصل بذلك تواخي هذه الفواصل ، فصار الفرقان هنا أمكن من البينات من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ، كما قررناه . .
ولا يظهر هنا ما قاله بعض الناس من أن الهدى والفرقان أريد به القران ، لأن الشيء لا يكون بعض نفسه ، وفي ( المنتخب ) أنه يحتمل أن يحمل : هدىً الأول على أصول الدين ، والثاني على فروعه . .
وقال ابن عطية : اللام في الهدى للعهد ، والمراد الأول . انتهى كلامه . يعني : أنه أتى به منكراً أولاً ، ثم أتى به معرفاً ثانياً ، فدل على أنه الأول كقوله تعالى : { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } فمعلوم أن الرسول الذي عصاه فرعون هو الرسول الذي أرسل إليه ، ومن ذلك قولهم : لقيت رجلاً فضربت الرجل ، فالمضروب هو الملقى ؟ ويعتبر ذلك بجعل ضمير النكرة مكان ذلك هذا الثاني ، فيصح المعنى ، لأنه لو أتى فعصاه فرعون ، أو : لقيت رجلاً فضربته لكان كلاماً صحيحاً ، ولا يتأتي هذا الذي قاله ابن عطية هنا ، لأنه ذكر هو والمعربون : أن هدىً منصوب على الحال وصف في ذي الحال ، وعطف عليه وبينات ، فلا يخلو قوله : من الهدى ، المراد به الهدى الأول من أن يكون صفة لقوله : هذى ، أو لقوله : وبينات ، أو لهما ، أو متعلق بلفظ بينات ، لا جائز أن يكون صفة لهدى ، لأنه من حيث هو وصف لزم أن يكون بعضاً ، ومن حيث هو الأول لزم أن يكون هو إياه ، والشيء الواحد لا يكون بعضاً . كلاً بالنسبة لماهيته ، ولا جائز أن يكون صفة لبينات فقط ، لأن وبينات معطوف على هدى ، وهدى حال ، والمعطوف على الحال حال ، والحال وصف في ذي الحال ، فمن حيث كونهما حالين تخصص بهما ذو الحال إذ هما وصفان ، ومن حيث وصفت بينات بقوله : من الهدى ، خصصها به ، فوقف تخصيص القرآن على قوله هدى وبينات معاً ، ومن حيث جعلت من الهدى صفة لبينات توقف تخصيص بينات على هدى ، فلزم من ذلك تخصيص الشيء بنفسه ، وهو محال ، ولا جائز أن يتعلق بلفظ : وبينات ، لأن المتعلق تقييد للمتعلق به ، فهو كالوصف ، فيمتنع من حيث يمتنع الوصف . .
وأيضاً فلو جعلت هنا مكان الهدى ضميراً ، فقلت : وبينات منه أي : من ذلك الهدى ، لم يصح ، فلذلك اخترنا أن يكون الهدى والفرقان عامين حتى يكون هدى وبينات بعضاً منهما . .