@ 26 @ المتقين ، فذلك يخرجه عن التأكيد ، لأنه إذا ذاك يتخصص بالصفة ، وجوز المعربون أن يكون نعتاً لمصدر محذوف ، إمّا لمصدر من : كتب عليكم ، أي : كتباً حقاً وإما مصدر من الوصية ، أي أصاء حقاً ، وأبعد من ذهب إلى أنه منصوب : بالمتقين ، وأن التقدير : على المتقين حقاً ، كقوله : { أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } لأنه غير المتبادر إلى الذهن ، ولتقدمه على عامله الموصول ، والأولى عندي أن يكون مصدراً من معنى : كتب ، لأن معنى : كتبت الوصية ، أي : وجبت وحقت ، فانتصابه على أنه مصدر على غير الصدر ، كقولهم : قعدت جلوساً ، وظاهر قوله : كتب وحقاً ، الوجوب ، إذ معنى ذلك الإلزام على المتقين ، قيل : معناه : من اتقى في أمور الورثة أن لا يسرف ، وفي الأقربين أن يقدّم الأحوج فالأحوج ، وقيل : من اتبعوا شرائع الإيمان العاملين بالتقوى قولاً وفعلاً ، وخصهم بالذكر تشريفاً لهم وتنبيهاً على علو منزلة المتقين عنده ، وقيل : من اتقى الكفر ومخالفة الأمر . .
وقال بعضهم : قوله { عَلَى الْمُتَّقِينَ } يدل على ندب الوصية لا على وجوبها ، إذ لو كانت واجبة لقال : على المسلمين ، ولا دلالة على ما قال لأنه يراد بالمتقين : المؤمنون ، وهم الذين اتقوا الكفر ، فيحتمل أن يراد ذلك هنا . . .
{ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ } : الظاهر أن الضمير يعود على الوصية بمعنى الإيصاء ، أي : فمن بدّل الإيصاء عن وجهه إن كان موافقاً للشرع من الأوصياء والشهود بعدما سمعه سماع تحقق وتثبت ، وعوده على الإيصاء أولى من عوده على الوصية ، لأن تأنيث الوصية غير حقيقي ، لأن ذلك لا يراعى في الضمائر المتأخرة عن المؤنث المجازي ، بل يستوي المؤنث الحقيقي والمجازي في ذلك تقول : هند خرجت . والشمس طلعت ، ولا يجوز طلع إلاَّ في الشعر ، والتذكير على مراعاة المعنى وارد في لسانهم ، ومنه . .
كخرعوبة البانة المنفطر .
.
ذهب إلى معنى : القضيب ، كأنه قال : كقضيب البانة ، ومنه في العكس : جاءته كتابي ، فاحتقرها على معنى الصحيفة . .
والضمير في { سَمِعَهُ } عائد على الإيصاء كما شرحناه ، وقيل : يعود على أمر الله تعالى في هذه الآية . .
وقيل : الهاء ، في : { فَمَن بَدَّلَهُ } عائدة إلى الفرض ، والحكم ، والتقدير : فمن بدل الأمر المقدم ذكره ، ومَنْ : الظاهر أنها شرطية ، والجواب : { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ } وتكون : مَنْ ، عامة في كل مبدل : مَنْ رضي بغير الوصية في كتابة ، أو قسمة حقوق ، أو شاهد بغير شهادة ، أو يكتمها ، أو غيرهما ممن يمنع حصول المال ووصوله إلى مستحقه ، وقيل : المراد بِمَنْ : متولي الإيصاء دون الموصي والموصى له ، فإنه هو الذي بيده العدل والجنف والتبديل والإمضاء ، وقيل : المراد : بِمَنْ : هو الموصي ، نهي عن تغيير وصيته عن المواضع التي نهى الله عن الوصية إليها ، لأنهم كانوا يصرفونها إلى الأجانب ، فأمروا بصرفها إلى الأقربين . .
ويتعين على هذا القول أن يكون الضمير في قوله : { فَمَن بَدَّلَهُ } وفي قوله : { بَعْدَمَا سَمِعَهُ } عائداً على أمر الله تعالى في الآية ، وفي قوله : { بَعْدَمَا سَمِعَهُ } دليل على أن الإثم لا يترتب إلاَّ بشرط أن يكون المبدل قد علم بذلك ، وكنى بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله . { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ } : الضمير عائد على الإيصاء المبدل ، أو على المصدر المفهوم من بدله ، أي : فإنما إثم التبديل على المبدل ، وفي هذا دليل على أن من اقترف ذنباً ، فإنما وباله عليه خاصةً ، فإن قصر الوصي في شيء مما أوصى به الميت ، لم يلحق الميت من ذلك شيء ، وراعى المعنى في قوله : { عَلَى الَّذِينَ يُبَدّلُونَهُ } إذ لو جرى على نسق اللفظ الأول لكان : فإنما إثمه ، أو فإنما إثمه عليه على الذي يبدله ، وأتي في جملة الجواب بالظاهر مكان المضمر ليشعر بعلية : الإثم الحاصل ، وهو التبديل ، وأتى بصلة : الذين ، مستقبلة جرياً على الأصل ، إذ هو مستقبل . .
{ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } في هاتين الصفتين تهديد ووعيد للمبدلين ، فلا يخفي عليه تعالى شيء ، فهو يجازيهم على تبديلهم شر الجزاء ، وقيل : سميع لقول الموصي ، عليم بفعل الموصي ، وقيل : سميع لو صاياه ، عليم بنياته . والظاهر القول الأول المجيئه في أثر ذكر التبديل وما يترتب عليه من الإثم . .
{ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } الظاهر أن الخوف هو الخشية هنا ، جرياً على أصل اللغة في الخوف ، فيكون المعنى : بتوقع الجنف أو الإثم من الموصي . .
قال