@ 664 @ والشافعي : لا تؤكل ذبائحهم إذا سموا عليها اسم المسيح ، وهو ظاهر قوله : { لِغَيْرِ اللَّهِ } كما ذكرناه ، لأن الإهلال لغير الله ، هو إظهار غير اسم الله ، ولم يفرق بين اسم المسيح واسم غيره . وروي عن علي أنه قال : إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا . وأهلّ : مبني للمفعول الذي لم يسم فاعله . والمفعول الذي لم يسم فاعله هو الجار والمجرور في قوله : به ، والضمير في به عائد على ما ، إذ هي موصولة بمعنى الذي . ومعنى أهل بكذا ، أي صالح . فالمعنى : وما صيح به ، أي فيه ، أي في ذبحه لغير الله ، ثم صار ذلك كناية عن كل ما ذبح لغير الله ، صيح في ذبحه أو لم يصح ، كما ذكرناه قبل . وفي ذبيحتة المجوسي خلاف . وكذلك فيما حرم على اليهودي والنصراني بالكتاب . أما ما حرموه باجتهادهم ، فذلك لنا حلال . ونقل ابن عطية عن مالك : الكراهة فيما سمي عليه الكتابي اسم المسيح ، أو ذبحه لكنيسة ، ولا يبلغ به التحريم . .
{ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } ، وقال : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } . وقال : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } ، فلم يقيد في هذه الآية الاضطرار ، وقيده فيما قبل . فإن المضطر يكون غير متجانف لإثم . وفي الأولى بقوله : { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } . قال مجاهد وابن جبير وغيرهما : غير باغ على المسلمين وعاد عليهم . فيدخل في الباغي والعادي : قطاع السبيل ، والخارج على السلطان ، والمسافر في قطع الرحم ، والغارة على المسلمين وما شاكله ، ولغير هؤلاء هي الرخصة . وإلى هذا ذهب الشافعي ، وهو أنه إذا لم يخرج باغياً على إمام المسلمين ، ولم يكن سفره في معصية ، فله أن يأكل من هذه المحرّمات إذا اضطر إليها . وإن كان سفره في معصية ، أو كان باغياً على الإمام ، لم يجز له أن يأكل . وقال عكرمة وقتادة والربيع وابن زيد وغيرهم : غير قاصد فساد وتعدّ ، بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة . وقال ابن عباس والحسن : غير باغ في الميتة في الأكل ، ولا عاد بأكلها ، وهو يجد غيرها ، وهو يرجع لمعنى القول قبله . وبه قال أبو حنيفة ومالك : وأباح هؤلاء للبغاة الخارجين على المسلمين الأكل من هذه المحرّمات عند الاضطرار ، كما أباحوا لأهل العدل . وقال السدي : غير باغ ، أي متزيد على إمساك رمقه وإبقاء قوّته ، فيجيء أكله شهوة ، ولا عاد ، أي متزوّد . وقيل : غير باغ ، أي مستحل لها ، ولا عاد ، أي متزوّد منها . وقال شهر بن حوشب : غير باغ ، أي مجاوز القدر الذي يحل له ، ولا عاد ، أي لا يقصده فيما لا يحل له . .
والظاهر من هذه الأقوال ، على ما يفهم من ظاهر الآية ، أنه لا إثم في تناول شيء من هذه المحرمات للمضطر الذي ليس بباغ ولا عاد . وإن قوله : { إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } ، لا بد فيه من التقييد المذكور هنا ، وفي قوله : { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } ، لأن آية الأنعام فيها حوالة على هاتين الآيتين ، لأنه قال : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } . وتفصيل المحرّم هو في هاتين الآيتين ، والاضطرار فيهما مقيد ، فتعين أن يكون مقيداً في الآية التي أحيلت على غيرها . والظاهر في البغي والعدوان ، أن ذلك من قبل المعاصي ، لأنهما متى أطلقتا ، تبادر الذهن إلى ذلك . وفي جواز مقدار ما يأكل من الميتة ، وفي التزوّد منها ، وفي شرب الخمر عند الضرورة قياساً على هذه المحرمات . وفي أكل ابن آدم خلاف مذكور في كتب الفقه ، قالوا : وإن وجد ميتة وخنزيراً ، أكل الميتة ، قالوا : لأنها أبيحت له في حال الاضطرار ، والخنزير لا يحل بحال ، وليس كما قالوا ، لأن قوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ } جاء بعد ذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير . فالمعنى : فمن اضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات ، فرتبتها في الإباحة للأكل منها متساوية ، فليس شيء منها أولى من الآخر بالإباحة ، والمضطر مخير فيما يأكل منها . فقولهم : إن الخنزير لا يحل بحال ليس بصحيح . .
وذكر بعض المفسرين أنهم أجمعوا على أن من سافر لغزو ، أو حج ، أو تجارة ، وكان مع ذلك باغياً في أخذ مال ، أو عادياً في ترك صلاة أو زكاة ، لم يكن ما هو عليه من البغي والعدوان مانعاً من استباحة الميتة للضرورة . وأنهم أجمعوا أيضاً على جواز الترخيص للباغي ، أو العادي الحاضر ، وفي نقل هذين الإجماعين نظر . .
واختلف القراء في حركة النون من قوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ * وَأَنِ احْكُم } ، { وَلَاكِن