@ 643 @ عباد الأوثان ، والأولى القول الأول . ورجح كونهم أهل الكتاب بقوله : يحبونهم ، فأتى بضمير العقلاء ، وباستبعاد محبة الأصنام ، وبقوله : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ } ، والتبرؤ لا يناسب إلا العقلاء . ومن : مبتدأ موصول ، أو نكرة موصوفة ، وأفرد يتخذ حملاً على لفظ من ، ومن دون الله متعلق بيتخذ ، ودون هنا بمعنى غير ، وأصلها أن يكون ظرف مكان ، وهي نادرة التصرف إذ ذاك . قال ابن عطية : ومن دون : لفظ يعطي غيبة ما يضاف إليه دون عن القضية التي فيها الكلام ، وتفسير دون بسوى ، أو بغير ، لا يطرد . انتهى . تقول : فعلت هذا من دونك ، أي وأنت غائب . وتقول : اتخذت منك صديقاً ، واتخذت من دونك صديقاً . فالذي يفهم من هذا أنه اتخذ من شخص غيره صديقاً . وتقول : قام القوم دون زيد . فالذي يفهم من هذا : أن المعنى أن زيداً لم يقم ، فدلالتها دلالة غير في هذا . والذي ذكر النحويون ، هو ما ذكرت لك من كونها تكون ظرف مكان ، وأنها قليلة التصرف نادرته . وقد حكى سيبويه أيضاً أنها تكون بمعنى رديء ، تقول : هذا ثوب دون أي رديء ، فإذا كانت ظرفاً ، دلت على انحطاط المكان ، فتقول : قعد زيد دونك ، فالمعنى : قعد زيد مكاناً دون مكانك ، أي منحطاً عن مكانك . وكذلك إذا أردت بدون الظرفية المجازية تقول : زيد دون عمرو في الشرف ، تريد المكانة لا المكان . ووجه استعمالها بمعنى غير انتقالها عن الظرفية فيه خفاء ، ونحن نوضحه فنقول : إذا قلت : اتخذت من دونك صديقاً ، فأصله : اتخذت من جهة ومكان دون جهتك ومكانك صديقاً ، فهو ظرف مجازي . وإذا كان المكان المتخذ منه الصديق مكانك وجهتك منحطة عنه وهي دونه ، لزم أن يكون غيراً ، لأنه ليس إياه ، ثم حذفت المضاف وأقمت المضاف إليه مقامه مع كونه غيراً ، فصارت دلالته دلالة غير بهذا الترتيب ، لا أنه موضوع في أصل اللغة لذلك . وانتصب أنداداً هنا على المفعول بيتخذ ، وهي هنا متعدية إلى واحد ، نحو قولك : اتخذت منك صديقاً ، وهي افتعل من الأخذ ، وقد تقدم الكلام على الند وعلى اتخذ ، فأغنى عن إعادته . قال ابن عباس والسّدي : الأنداد : الرؤساء المتبعون ، يطيعونهم في معاصي الله تعالى . وقال مجاهد وقتادة : الأنداد : الأوثان ، وجاء الضمير في يحبونهم ضمير من يعقل . وقد تقدّم لنا أن الأولى أن تكون الأنداد : المجموع من الأوثان والرؤساء ، وتكون الآية عامة . وجاء التغليب لمن يعقل في الضمير في : { يُحِبُّونَهُمْ } ، أي يعظمونهم ويخضعون لهم . والجملة من يحبونهم صفة للأنداد ، أو حال من الضمير المستكن في يتخذ ، ويجوز أن تكون صفة لمن ، إذا جعلتها نكرة موصوفة . وجاز ذلك ، لأن في يحبونهم ضمير أنداد ، أو ضمير من ، وأعاد الضمير على من جمعاً على المعنى ، إذ قد تقدم الجمل على اللفظ في يتخذ ، إذ أفرد الضمير ، وقد وقع الفصل بين الجملتين ، وهو شرط على مذهب الكوفيين . .
{ كَحُبّ اللَّهِ } ، الكاف في موضع نصب ، إما على الحال من ضمير الحب المحذوف ، على رأي سيبويه ، أو على نه نعت لمصدر محذوف ، على رأي جمهور المعربين ، التقدير : على الأول يحبونهموه ، أي الحب مشبهاً حب الله ، وعلى الثاني تقديره : حباً مثل حب الله ، والمصدر مضاف للمفعول المنصوب ، والفاعل محذوف ، التقدير : كحبهم الله ، أو كحب المؤمنين الله ، والمعنى أنهم سوّوا بين الحبين ، حب الأنداد وحب الله . وقال ابن عطية : حب : مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ ، وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر ، تقديره : كحبكم الله ، أو كحبهم ، حسبما قدر كل وجه منهما فرقة . انتهى كلامه . فقوله : مضاف إلى الفاعل المضمر ، لا يعني أن المصدر أضمر فيه الفاعل ، وإنما سماه مضمراً لما قدره كحبكم أو كحبهم ، فأبرزه مضمراً حين أظهر تقديره ، أو يعني بالمضمر المحذوف ، وهو موجود في اصطلاح النحويين ، أعني أن يسمى الحذف إضماراً . وإنما قلت ذلك ، لأن من النحويين من زعم أن الفاعل مع المصدر لا يحذف ، وإنما يكون مضمراً في المصدر . وردّ ذلك بأن المصدر هو اسم جنس ، كالزيت والقمح ، وأسماء الأجناس لا يضمر فيه . وقال الزمخشري : كحب الله : كتعظيم الله والخضوع له ، أي كما يحب الله ، على أنه مصدر