@ 580 @ على موسى وعيسى ، لأنهما متبوعا اليهود والنصارى بزعمهم ، والكلام معهم ، ولم يكرر الموصول في عيسى ، لأن عيسى إنما جاء مصدقاً لما في التوراة ، لم ينسخ منها إلا نزراً يسيراً . فالذي أوتيه عيسى هو ما أوتيه موسى ، وإن كان قد خالف في نزر يسير . وجاء : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } ، وجاء : { وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى } ، تنويعاً في الكلام وتصرفاً في ألفاظه ، وإن كان المعنى واحداً ، هذ لو كان كله بلفظ الإيتاء ، أو بلفظ الإنزال ، لما كان فيه حلاوة التنوع في الألفاظ . ألا تراهم لم يستحسنوا قول أبي الطيب : % ( ونهب نفوس أهل النهب أولى % .
بأهل النهب من نهب القماش .
) % .
ولما ذكر في الإنزال أوّلاً خاصاً ، عطف عليه جمعاً . كذلك لما ذكر في الإيتاء خاصاً ، عطف عليه جمعاً . ولما أظهر الموصول في الإنزال في العطف ، أظهره في الإيتاء فقال : { وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ } ، وهو تعميم بعد تخصيص . وظاهر قوله : { وَمَا أُوتِيَ } يقتضي التعميم في الكتب والشرائع . وفي حديث لأبي سعيد الخدري ، قلت : يا رسول الله ، كم أنزل الله ؟ قال : ( مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل على شيث خمسين صحيفة ، وأنزل على أخنوخ ثلاثين صحيفة ، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، ثم أنزل التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان . وأما عدد الأنبياء ، فروي عن ابن عباس ووهب بن منبه : أنهم مائة ألف نبي ، ومائة وعشرون ألف نبي ، كلهم من بني إسرائيل ، إلا عشرين ألف نبي . وعدد الرسل : ثلاثمائة وثلاثة عشرة ، كلهم من ولد يعقوب ، إلا عشرين رسولاً ، ذكر منهم في القرآن خمسة وعشرين ، نص على أسمائهم وهم : آدم ، وإدريس ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وشعيب ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وأليسع ، وإلياس ، ويونس ، وأيوب ، وداود ، وسليمان ، وزكريا ، وعزير ، ويحيى ، وعيسى ، ومحمد / صلى الله عليه وسلم ) . وفي رواية عن ابن عباس : أن الأنبياء كلهم من بني إسرائيل ، إلا عشرة : نوحاً ، وهوداً ، وشعيباً ، وصالحاً ، ولوطاً ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وإسماعيل ، ومحمداً / صلى الله عليه وسلم ) أجمعين . وابتدىء أولاً بالإيمان بالله ، لأن ذلك أصل الشرائع ، وقدم { أَنزَلَ اللَّهُ * إِلَيْنَا } ، وإن كان متأخراً في الإنزال عن ما بعده ، لأنه أولى بالذكر ، لأن الناس ، بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ) ، مدعوّون إلى الإيمان بما أنزل إليه جملة وتفصيلاً . وقدم { مَا أُنزِلَ إِلَى * إِبْرَاهِيمَ } على { مَا أُوتِىَ مُوسَى * وَعِيسَى } ، للتقدّم في الزمان ، أو لأن المنزل على موسى ، ومن ذكر معه ، هو المنزل إلى إبراهيم ، إذ هم داخلون تحت شريعته . { وَمَا أُوتِىَ مُوسَى } : ظاهره العطف على ما قبله من المجرورات المتعلقة بالإيمان ، وجوّزوا أن يكون : { وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى } في موضع رفع بالابتداء ، وما أوتي الثانية عطف على ما أوتي ، فيكون في موضع رفع . والخبر في قوله { مّن رَّبّهِمُ } ، أو لا نفرق ، أو يكون : { وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى } معطوفاً على المجرور قبله ، { وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ } رفع على الابتداء ، { وَمِنْ * رَّبُّهُمْ } الخبر ، أو لا نفرق هو الخبر . والظاهر أن من ربهم في موضع نصب ، ومن لابتداء الغاية ، فتتعلق بما أوتي الثانية ، أو بما أوتي الأولى ، وتكون الثانية توكيداً . ألا ترى إلى سقوطها في آل عمران في قوله : { وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ } ؟ ويجوز أن يكون في موضع حال من الضمير العائد على الموصول ، فتتعلق بمحذوف ، أي وما أوتيه النبيون كائناً من ربهم . . .
{ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } : ظاهره الاستئناف . والمعنى : أنا نؤمن بالجميع ، فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، كما فعلت اليهود والنصارى . فإن اليهود آمنوا بالأنبياء كلهم ، وكفروا بمحمد وعيسى ، صلوات الله على الجميع . والنصارى آمنوا بالأنبياء ، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم )