@ 578 @ حنيفاً . وعلى هذا خرجه هبة الله بن الشجري في المجلس الثالث من أماليه . قال : قيل إن حنيفاً حال من إبراهيم ، وأوجه من ذلك عندي أن يجعله حالاً من الملة ، وإن خالفها بالتذكير ، لأن الملة في معنى الدين . ألا ترى أنها قد أبدلت من الدين في قوله جل وعز : { دِينًا قِيَمًا مّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } ؟ فإذا جعلت حنيفاً حالاً من الملة ، فالناصب له هو الناصب للملة ، وتقديره : بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً ، وإنما ضعف الحال من المضاف إليه ، لأن العامل في الحال ينبغي أن يكون هو العامل في ذي الحال . انتهى كلامه . وتكون حالاً لازمة ، لأن دين إبراهيم لم ينفك عن الحنيفية ، وكذلك يلزم من جعل حنيفاً حالاً من إبراهيم أن يكون حالاً لازمة ، لأن إبراهيم لم ينفك عن الحنيفية . والحنيف : هو المائل عن الأديان كلها ، قاله ابن عباس ؛ أو المائل عما عليه العامّة ، قاله الزجاج ، أو المستقيم ، قاله ابن قتيبة ؛ أو الحاج ، قاله ابن عباس أيضاً ؛ وابن الحنيفية ، أو المتبع ، قاله مجاهد ؛ أو المخلص ، قاله السدّي ؛ أو المخالف للكل ، قاله ابن بحر ؛ أو المسلم ، قاله الضحاك ، قال : فإذا جمع الحنيف مع المسلم فهو الحاج ، أو المختتن . أو الحنف : هو الاختتان ، وإقامة المناسك ، وتحريم الأمّهات والبنات والأخوات والعمات والخالات ، عشرة أقوال متقاربة في المعنى . وإنما خص إبراهيم دون غيره من الأنبياء ، وإن كانوا كلهم مائلين إلى الحق ، مستقيمي الطريقة حنفاء ، لأن الله اختص إبراهيم بالإمامة ، لما سنه من مناسك الحج والختان ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، مما يقتدى به إلى قيام الساعة . وصارت الحنيفية علماً مميزاً بين المؤمن والكافر . وسمي بالحنيف : من اتبعه واستقام على هديه ، وسمي المنكث على ملته بسائر أسماء الملل ، فقيل : يهودي ونصراني ومجوسي ، وغير ذلك من ضروب النحل . .
{ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } : أخبر الله تعالى أنه لم يكن يعبد وثناً ، ولا شمساً ، ولا قمراً ، ولا كوكباً ، ولا شيئاً غير الله تعالى . وكان في قوله : { بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ } دليل على أن ملته مخالفة لملة اليهود والنصارى ، ولذلك أضرب ببل عنهما ، فثبت أنه لم يكن يهودياً ولا نصرانياً } . وكانت العرب ممن تدين بأشياء من دين إبراهيم ، ثم كانت تشرك ، فنفى الله عن إبراهيم أن يكون من المشركين . وقيل : في الآية تعريض بأهل الكتاب وغيرهم ، لأن كلاً منهم يدعي اتباع إبراهيم ، وهو على الشرك ، قاله الزمخشري . فإشراك اليهود بقولهم : عزير ابن الله ، وإشراك النصارى بقولهم : { * } . وكانت العرب ممن تدين بأشياء من دين إبراهيم ، ثم كانت تشرك ، فنفى الله عن إبراهيم أن يكون من المشركين . وقيل : في الآية تعريض بأهل الكتاب وغيرهم ، لأن كلاً منهم يدعي اتباع إبراهيم ، وهو على الشرك ، قاله الزمخشري . فإشراك اليهود بقولهم : عزير ابن الله ، وإشراك النصارى بقولهم : { الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } ، وإشراك غيرهما