@ 562 @ فتوبة سائر المسلمين الندم بالقلب ، والرجوع عن الذنب ، والعزم على عدم العود ، ورد المظالم إذا أمكن ، ونية الرد إذا لم يمكن ، وتوبة الخواص الرجوع عن المكروهات من خواطر السوء ، والفتور في الأعمال ، والإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال ، وتوبة خواص الخواص لرفع الدرجات ، والترقي في المقامات ، فإن كان إبراهيم وإسماعيل دعوا لأنفسهما بالتوبة ، وكان الضمير في قوله : { وَتُبْ عَلَيْنَا } خاصاً بهما ، فيحتمل أن تكون التوبة هنا من هذا القسم الأخير . قالوا : ويحتمل أن يريد التثبيت على تلك الحالة مثل : { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } . وإن كان الضمير شاملاً لهما وللذرية ، كان الدعاء بالتوبة منصرفاً لمن هو من أهل التوبة . وإن كان الضمير قبله محذوفاً مقدراً ، فالتقدير على عصاتنا ، ويكون دعا بالتوبة للعصاة . ولا تدل هذه الآية على جواز وقوع الذنب من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لما ذكرناه من الاحتمال ، خلافاً لمن زعم ذلك وقال : التوبة مشروطة بتقدم الذنب ، إذ لولا ذلك لاستحال طلب التوبة . والذي يقوي أن المراد الذرية العصاة قوله تعالى : { وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاْصْنَامَ } ، إلى قوله : { وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، أي فأنت قادر على أن تتوب عليه وتغفر له ، وقراءة عبد الله ، وأرهم مناسكهم ، وتب عليهم ، واحتمال أن يكون : وأرنا مناسكنا على حذف مضاف ، أي وأر ذريتنا مناسكنا ، كقوله : ولقد خلقناكم ، أي خلقنا أباكم . وقال الزمخشري : وتب علينا ما فرط منا من الصغائر ، أو استتاباً لذريتهما . انتهى . فقوله : ما فرط منا من الصغائر هو على مذهب المعتزلة ، إذ يقولون بتجويزها على الأنبياء . قال ابن عطية : وقد ذكر قولي التثبيت ، أو كون ذلك دعاء للذرية ، قال : وقيل وهو الأحسن عندي أنهما لما عرفا المناسك ، وبنيا البيت ، وأطاعا ، أرادا أن يسنا للناس أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة . وقال الطبري : ليس أحد من خلق الله إلا وبينه وبين الله تعالى معان يحب أن كون أحسن مما هي . انتهى كلام ابن عطية ، وفيه خروج قوله : وتب علينا عن ظاهره إلى تأويل بعيد ، أي إن الدعاء بقوله : وتب علينا ، ليس معناه أنهما طلبا التوبة ، بل نبها بذلك الطلب على أن غيرهما يطلب في تلك المواضع التوبة ، فيكونان لم يقصدا الطلب حقيقة ، إنما ذكرا ذلك لتشريع غيرهما لطلب ذلك ، وهذا بعيد جداً . قال ابن عطية : وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ، ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة ، واختلف في غير ذلك من الصغائر . انتهى كلامه . قال الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن الرازي ، في ( كتاب المحصول ) له ما ملخصه : قالت الشيعة ، لا يجوز أن يقع منهم ذنب ، لا صغير ولا كبير ، لا عمداً ولا سهواً ، ولا من جهة التأويل . ثم ذكر الاتفاق على أنه لا يجوز منهم الكفر ، ولا التبديل في التبليغ ، ولا الخطأ في الفتوى . وذكر خلافاً في أشياء ، ثم قال الذي يقول به إنه لا يقع منهم ذنب على سبيل القصد ، لا كبير ولا صغير ، وأما سهواً فقد يقع ، لكن بشرط أن يتذكروه في الحال وينبهوا غيرهم على أن ذلك كان سهواً . .
{ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } : يجوز في أنت : الفصل والتأكيد والابتداء ، وهاتان الصفتان مناسبتان لأنهما دعوا بأن يجعلهما مسلمين ومن ذريتهما أمة مسلمة ، وبأن يريهما مناسكهما ، وبأن يتوب عليهما . فناسب ذكر التوبة عليهما ، أو الرحمة لهما . وناسب تقديم ذكر التوبة على الرحمة ، لمجاورة الدعاء الأخير في قوله : { وَتُبْ عَلَيْنَا } . وتأخرت صفة الرحمة لعمومها ، لأن من الرحمة التوبة ، ولكنها فاصلة . والتواب لا يناسب أن تكون فاصلة هنا ، لأن قبلها { إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ، وبعدها : { إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } .