@ 551 @ نصبه إلى اختيار أهل الاجتهاد في الدين ، والعامة في ذلك تبع لهم ولا اعتبار بهم في ذلك ، وليس من شرطه اجتماع كل المجتهدين ، ولا اعتبار في ذلك بعدد ، بل إذا عقد واحد من أهل الحل والعقد ، وجبت المبايعة على كلهم ، خلافاً لمن خص أهل البيعة بأربعة . وقال : لا ينعقد بأقل من ذلك ، أو لمن قال : لا ينعقد إلا بأربعين ، أو لمن قال : لا ينعقد إلا بسبعين ، ثم من خالف كان باغياً أو ناظراً أو غالطاً ، ولكل واحد منهم حكم يذكر في علم الفقه . ولا ينعقد لإمامين في عصر واحد ، خلافاً للكرامية ، إذ أجازوا ذلك ، وزعموا أن علياً ومعاوية كانا إمامين في وقت واحد ، والقول بالتقية باطل ، خلافاً للإمامية ، ومعناها : أنه يكون الشخص الجامع لشروط الإمامة إماماً مستوراً ، لكنه يخفي نفسه مخافة من غلب على الملك ممن لا يصلح للإمامة . وليس من شرط الإمام العصمة ، خلافاً للرّافضة ، فإنهم يقولون بوجوب العصمة للإمام سرًّا وعلناً . وليس من شرطه الإحاطة بالمعلومات كلها ، خلافاً للإمامية ، والإمام مفترض الطاعة فيما يؤدّي إليه اجتهاده . وليس لأحد الخروج عليه بالسيف ، وكذلك لا يجوز الخروج على السلطان الغالب ، خلافاً لمن رأى ذلك من المعتزلة والخوارج والرافضة وغيرهم . وقد تكلم بعض الناس هنا في الإمامة الصغرى وهي : الإمامة في الصلاة ، وموضوعها علم الفقه . .
{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْناً } : لما رد على اليهود في إنكارهم التوجه إلى الكعبة ، وكانت الكعبة بناء إبراهيم أبيهم ، كانوا أحق بتعظيمها ، لأنها من مآثر أبيهم . ولوجه آخر من إظهار فضلها ، وهو كونها مثابة للناس وأمناً ، وأن فيها مقام إبراهيم ، وأنه تعالى أوحى إليه وإلى ولده ببنائها وتطهيرها ، وجعلها محلاً للطائف والعاكف والراكع والساجد ، وأمره بأن ينادي في الناس بحجها . والبيت هنا : الكعبة ، على قول الجمهور . وقيل : المراد البيت الحرام لا نفس الكعبة ، لأنه وصفه بالأمن ، وهذه صفة جميع الحرم ، لا صفة الكعبة فقط . ويجوز إطلاق البيت ، ويراد به كل الحرم . وأما الكعبة فلا تطلق إلا على البناء الذي يطاف به ، ولا تطلق على كل الحرم . والتاء في مثابة للمبالغة ، لكثرة من يثوب إليه ، قاله الأخفش ، أو لتأنيث المصدر ، أو لتأنيث البقعة ، كما يقال مقام ومقامه ، قال الشاعر : % ( ألم تر أن الأرض رحب فسيحة % .
فهل يعجزني بقعة من بقاعها .
) % .
ذكر رحباً على مراعاة المكان ، وأنث فسيحة على اللفظ . وقرأ الأعمش وطلحة : مثابات على الجمع ، وقال ورقة بن نوفل : % ( مثاباً لأفناء القبائل كلها % .
تخب إليها اليعملات الطلائح .
) % .
ويروى : الذوابل . ووجه قراءة الجميع أنه مثابة لكل من الناس ، لا يختص به واحد منهم ، { سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } . ومثابة ، قال مجاهد وابن جبير معناه : يثوبون إليه من كل جانب ، أي يحجونه في كل عام ، فهم يتفرّقون ، ثم يثوبون إليه أعيانهم أو أمثالهم ، ولا يقضي أحد منهم وطراً ، وقال الشاعر : % ( جعل البيت مثاباً لهم % .
ليس منه الدهر يقضون الوطر .
) % .
وقال ابن عباس : معاذاً وملجأ . وقال قتادة والخليل : مجمعاً . وقال بعض أهل اللغة ، فيما حكاه الماوردي : أي مكان . إثابة : واحدة من الثواب ، وأورد هذا القول ابن عطية احتمالاً منه . والألف واللام في قوله للناس : أما لاستغراق الجنس على مذهب من يرى أن الناس كلهم مخاطبون بفروع الإيمان ، وإما للجنس الخاص على مذهب من لا يرى ذلك . وجعلنا هنا بمعنى صيرنا ، فمثابة مفعول ثان . وقيل : جعل هنا بمعنى : خلق ، أو وضع ، ويتعلق للناس بمحذوف تقديره : مثابة كائنه ، إذ هو في موضع الصفة . وقيل : يتعلق بلفظ جعلنا ، أي لأجل الناس . والأمن : مصدر