@ 531 @ أي جاه وشرف . والتقدير : فثمّ جلال الله وعظمته ، قاله أبو منصور في المقنع . وحيث جاء الوجه مضافاً إلى الله تعالى ، فله محمل في لسان العرب ، إذ هو لفظ يطلق على معان ، ويستحيل أن يحمل على العضو ، وإن كان ذلك أشهر فيه . وقد ذهب بعض الناس إلى أن تلك صفة ثابتة لله بالسمع ، زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى . وضعف أبو العالية وغيره هذا القول ، لأن فيه الجزم بإثبات صفة لله تعالى بلفظ محتمل ، وهي صفة لا يدرى ما هي ، ولا يعقل معناها في اللسان العربي ، فوجب إطراح هذا القول والإعتماد على ما له محمل في لسان العرب . إذا كان للفظ دلالة على التجسيم فنحمله ، إمّا على ما يسوغ فيه من الحقيقة التي يصح نسبتها إلى الله تعالى إن كان اللفظ مشتركاً ، أو من المجاز إن كان اللفظ غير مشترك . والمجاز في كلام العرب أكثر من رمل يبرين ونهر فلسطين . .
فالوقوف مع ظاهر اللفظ الدال على التجسيم غباوة وجهل بلسان العرب وأنحائها ومتصرّفاتها في كلامها ، وحجج العقول التي مرجع حمل الألفاظ المشكلة إليها . ونعوذ بالله أن نكون كالكرامية ، ومن سلك مسلكهم في إثبات التجسيم ونسبة الأعضاء لله ، تعالى الله عما يقول المفترون علواً كبيراً . وفي قوله : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } ردّ على من يقول : إنه في حيز وجهة ، لأنه لما خير في استقبال جميع الجهات دل على أنه ليس في جهة ولا حيز ، ولو كان في حيز لكان استقباله والتوجه إليه أحق من جميع الأماكن . فحيث لم يخصص مكاناً ، علمنا أنه لا في جهة ولا حيز ، بل جميع الجهات في ملكه وتحت ملكه ، فأي جهة توجهنا إليه فيها على وجه الخضوع كنا معظمين له ممتثلين لأمره . .
{ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ } : وصف تعالى نفسه بصفة الواسع ، فقيل ذلك لسعة مغفرته . وجاء : { إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ } ، وهو معنى قول الكلبي : لا يتعاظمه ذنب . وقيل : واسع العطاء ، وهو معنى قول أبي عبيدة : غني ، ومعنى قول الفراء : جواد . وقيل : معناه عالم ، من قوله : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } ، على أحد التفاسير ، وجمع بينه وبين عليم على سبيل التأكيد . وقيل : واسع القدرة . وقيل : معناه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر . عليم : أي بمصالحهم أو بنيات القلوب التي هي ملاك العمل ، وإن اختلفت ظواهرها في قبلة وغيرها . وهذه التفاسير على قول من قال : إن الآية نزلت في أمر القبلة . وقال القفال : ليس فيها ذكر القبلة والصلاة ، وإنما أخبرهم تعالى عن علمه بهم ، وطوق سلطانه إياهم حيث كانوا ، كقوله تعالى : { إِنِ اسْتَطَعْتُمْ } ، الآية ، وقوله : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى } الآية ، ويكون في هذا تهديد لمن منع مساجد الله من الذكر ، وسعى في خرابها ، أنه لا مهرب له من الله ولا مفر ، كما قال تعالى : { أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ } ، وكما قال : % ( فإنك كالليل الذي هو مدركي % .
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع .
.
) % .
وقال : % ( ولم يكن المغتر بالله إذ سرى % .
ليعجز والمغتر بالله طالبه .
) % .
.
وقال : % ( أين المفر ولا مفر لهارب % .
وله البسيطان الثرى والماء .
) % .
.
وعلى هذا المعنى يكون الخطاب عاماً مندرج فيه من منع المساجد من الذكر وغيره . وجاءت هذه الجملة مؤكدة بأن مصرحاً باسم الله فيها دالة على الاستقلال . وقد قدّمنا ذلك في قوله : { تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ } ، وكقوله : { وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، وذلك أفخم وأجزل من الضمير ، لأن الضمير يشعر بقوة التعلق والظاهر يشعر بالاستقلال . ألا ترى أنه يصح الابتداء به ، وإن لم يلحظ ما قبله ؟ بخلاف الضمير ، فإنه رابط