@ 521 @ يجوز ، لعلني طائر ، وإنما أفرد المبتدأ لفظاً ، لأنه كناية عن المقالة ، والمقالة مصدر يصلح للقليل والكثير ، فأريد بها هنا الكثير باعتبار القائلين ، ولذلك جمع الخير ، فطابق من حيث المعنى في الجمعية . وقد تقدّم شرح الأماني في قوله : { لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ } ، فيحتمل أن يكون المعنى : تلك أكاذيبهم وأباطيلهم ، أو تلك مختاراتهم وشهواتهم ، أو تلك تلاواتهم . .
{ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } : لما تقدم منهم الدعوى بأنه لن يدخل الجنة إلا من ذكروا ، طولبوا بالدليل على صحة دعواهم . وفي هذا دليل على أن من ادعى نفياً أو إثباتاً ، فلا بد له من الدليل . وتدل الآية على بطلان التقليد ، وهو قبول الشيء بغير دليل . قال الزمخشري : وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين ، وإن كل قول لا دليل عليه ، فهو باطل . إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم ، أي أوضحوا دعوتكم . وظاهر الآية أن متعلق الصدق هو دعواهم أنهم مختصون بدخول الجنة . وقيل : صادقين في إيمانكم . وقيل : في أمانيكم . وقيل معنى صادقين : صالحين كما زعمتم ، وكل ما أضف إلى الصلاح والخير أضيف إلى الصدق . تقول : رجل صدق ، وصديق صدق ، ودالة صدق ، ومنه : { هَاذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } . وقيل : معناه إن كنتم موقنين بما أخذ الله ميثاقه وعهوده ، ومنه : { رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ } . .
{ بَلَى } : رد لقولهم : { لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ } ، والكلام فيها كالكلام الذي تقدّم في قوله : { بَلَى مَن كَسَبَ سَيّئَةً } ، وقبل ذلك : { لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } ، وكلاهما فيه نفي وإيجاب ، إلا أن ذلك استثناء مفرّغ من الأزمان ، وهذا استثناء مفرّغ من الفاعلين . وأبعد من ذهب إلى أن بلى رد لما تضمن قوله : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } من النفي ، لأن معناه لا برهان لكم على صدق دعواكم ، فأثبت ببلى أن لمن أسلم وجهه برهاناً ، وهذا ينبو عنه اللفظ . .
{ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } : الكلام في : من ، كالكلام في : من ، من قوله : { مَن كَسَبَ سَيّئَةً } ، والأظهر أنها مبتدأة ، وجوّزوا أن تكون فاعلة ، أي يدخلها من أسلم ، وإذا كانت مبتدأة ، فلا يتعين أن تكون شرطية . فالجملة بعدها هي الخبر ، وجواب الشرط { فَلَهُ أَجْرُهُ } . وإذا كانت موصولة ، فالجملة بعدها صلة لا موضع لها من الإعراب ، والخبر هو ما دخلت عليه الفاء من الجملة الابتدائية ، وإذا كانت من فاعلة فقوله : { فَلَهُ أَجْرُهُ } جملة اسمية معطوفة على ذلك الفعل الرافع لمن . والوجه هنا يحتمل أن يراد به الجارحة خص بالذكر ، لأنه أشرف الأعضاء ، أو لأنه فيه أكثر الحواس ، أو لأنه عبر به عن الذات ومنه : { كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } ، ويحتمل أن يراد به الجهة ، والمعنى : أخلص طريقته في الدين لله . وقال مقاتل : أخلص دينه . وقال ابن عباس : أخلص عمله لله . وقيل : قصده . وقيل : فوّض أمره إلى الله تعالى . وقيل : خضع وتواضع . وهذه أقوال متقاربة في المعنى ، وإنما يقولها السلف على ضرب المثال ، لا على أنها متعينة يخالف بعضها بعضاً . وهذا نظير ما يقوله النحوي : الفاعل زيد من قولك ، قام زيد ، وآخر يقول : جعفر من خرج جعفر ، وآخر يقول : عمرو من انطلق عمرو ، وهذا أحسن ما يظن بالسلف رحمهم الله ، فيما جاء عنهم من هذا النوع . .
{ وَهُوَ مُحْسِنٌ } : جملة حالية ، وهي مؤكدة من حيث المعنى ، لأن من أسلم وجهه لله فهو محسن . وقد قيد الزمخشري الإحسان بالعمل ؛ وجعل معنى قوله : { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } : من أخلص نفسه له ، لا يشرك به غيره ، وهو محسن في عمله ، فصارت الحال هنا مبينة ، إذ من لا يشرك قسمان : محسن في عمله ، وغير محسن ، وذلك منه جنوح إلى مذهبه الاعتزالي من أن العمل لا بد منه ، وأنه بهما يستوجب دخول الجنة ، ولذلك فسر قوله : { فَلَهُ أَجْرُهُ } الذي يستوجبه ، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) حقيقة الإحسان الشرعي حين سئل عن ماهيته فقال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . وقد فسر هنا الإحسان بالإخلاص ، وفسر بالإيمان ، وفسر بالقيام بالأوامر ، والانتهاء عن المناهي . .
{ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ } : العامل في