@ 518 @ عاذوراء وزيد بن قيس ونفر من اليهود حاولوا حذيفة وعماراً في رجوعهما إلى دينهم ، أقوال . والقرآن لم يعين أحداً ، إنما أخبر بودادة كثير من أهل الكتاب . والخلاف في سبب النزول مبني على الخلاف في تفسير كثير من أهل الكتاب ، وتخصصت الصفة بقوله : { مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } ، فلذلك حسن حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه . والكتاب هنا : التوراة . .
{ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا } : الكلام في لو هنا ، كالكلام عليها في قوله : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } . فمن قال : إنها مصدرية ، قال : لو ، والفعل في تأويل المصدر ، وهو مفعول . ودّ : أي ودّ ردكم ، ومن جعلها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره ، جعل الجواب محذوفاً ، وجعل مفعول ودّ محذوفاً التقدير : ودرّكم كفاراً ، لو يردونكم كفاراً لسرّوا بذلك . وقال بعض الناس تقديره : لو يردونكم كفاراً لودوا ذلك . فودّ دالة على الجواب ، ولا يجوز لودّ الأولى أن تكون هي الجواب ، لأن شرط لو أن تكون متقدّمة على الجواب . انتهى . وهذا الذي قدره ليس بشيء ، لأنك إذا جعلت جواب لو قوله : لودوا ذلك ، كان ذلك دالاً على أن الودادة لم تقع ، لأنه جواب للو ، وهو لما كان سيقع لوقوع غيره ، فامتنع وقوع الودادة ، لامتناع وقوع الرد . والغرض أن الودادة قد وقعت . ألا ترى إلى أقوال المفسرين في سبب نزول هذه الآية ؟ وهي وإن اختلفت فاتفقوا على وقوع الودادة ، وإن اختلفت أقوالهم بمن وقعت ، وتقدير جواب لو لودوا ذلك ، يدل على أن الودادة لم تقع ، فلذلك كان تقديره لسروا أو لفرحوا بذلك هو المتعين ، إذا جعلت لو تقتضي جواباً . ويرد هنا بمعنى يصير ، فيتعدّى إلى مفعولين : الأول هو ضمير الخطاب ، والثاني كفاراً ، وقد أعربه بعضهم حالاً ، وهو ضعيف ، لأن الحال مستغنى عنها في أكثر مواردها ، وهذا لا بد منه في هذا المكان . ومن متعلقة بيرد ، وهي لابتداء الغاية ، وظاهر الواو في يردونكم أنها للجمع ، ومن فسر كثيراً بواحد أو باثنين ، فجعل الواو له أو لهما ، ليس على الأصل . .
{ حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } : انتصاب حسداً على أنه مفعول من أجله ، والعامل فيه ودّ ، أي الحامل لهم على ودادة ردكم كفاراً هو الحسد ، وجوزوا فيه أن يكون مصدراً منصوباً على الحال ، أي حاسدين ، ولم يجمع لأنه مصدر ، وهذا ضعيف ، لأن جعل المصدر حالاً لا ينقاس . وجوزوا أيضاً أن يكون نصبه على المصدر ، والعامل فيه فعل محذوف يدل عليه المعنى ، التقدير : حسدوكم حسداً . والأظهر القول الأول ، لأنه اجتمعت فيه شرائط المفعول من أجله . ويتعلق المجرور الذي هو : { مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } ، إما بملفوظ به وهو ود ، أي ودوا ذلك من قبل شهوتهم ، لا أن ودادتهم ذلك هي من جهة التدين واتباع الحق . ألا ترى إلى قوله تعالى : { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } ؟ وإما بمقدر ، فيكون في موضع الصفة ، التقدير : حسداً كائناً من عند أنفسهم . وعلى كلا التقديرين يكون توكيداً ، أي ودادتهم أو حسدهم من تلقائهم . ألا ترى أن ودادة الكفر والحسد على الإيمان لا يكون إلا من عند أنفسهم ؟ فهو نظير ، ولا طائر يطير بجناحيه . وقيل : يتعلق الجار والمجرور بقوله : يردونكم ، ومن سببية ، أي يكون الرد من تلقائهم وبإغوائهم وتزيينهم . { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } : تتعلق من هذه بقوله : ود ، أي ودادتهم كفركم للحسد المنعبث من عند أنفسهم . وتلك الودادة ابتدأت من زمان وضوح الحق وتبينه لهم ، فليسوا من أهل الغباوة الذين قد يغرب عليهم وضوح الحق ، بل ذلك على سبيل الحسد والعناد . وهذا يدل على أن الكفر يكون عناداً . ألا ترى إلى ظاهر قوله : { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } ؟ قال ابن عطية : واختلف أهل السنة في جواز ذلك . والصحيح عندي جوازه عقلاً ، وبعده وقوعاً ، ويترتب في كل رية تقتضيه أن المعرفة تسلب من ثاني حال من العناد . انتهى كلامه ، والألف واللام في الحق ، إما للعهد ، ويراد به الإيمان ، ويدل عليه جريانه قبل هذا ، أو الألف واللام للاستغراق ، أي من بعد ما اتضحت لهم وجوه الحق وأنواعه . . .
{ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ } ، قال ابن عباس : هي منسوخة بقوله : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } . وقيل : بقوله : { اقْتُلُواْ * الْمُشْرِكِينَ } ، وقال قوم : ليس هذا حد المنسوخ ، لأن هذا في نفس الأمر كان للتوقيف على مدته . { حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } : غيا العفو والصفح بهذه الغاية ، وهذه موادعة إلى أن أتى أمر الله بقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير وإذلالهم بالجزية ، وغير ذلك مما أتى من أحكام الشرع فيهم وترك العفو والصفح . وقال الكلبي : هو إسلام بعض واصطلام