@ 493 @ لم تبلغ درايتك غاية فضلها ، ثم بين له ذلك . قال سفيان بن عيينة : ما كان في القرآن { وَمَا أَدْرَاكَ } ، فقد أعلمه ، وما قال : وما يدريك ، فإنه لم يعلمه . قيل : وأخفاها الله تعالى عن عباده ليجدوا في العمل ولا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها . والظاهر أن { أَلْفِ شَهْرٍ } يراد به حقيقة العدد ، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام . والحسن : في ليلة القدر أفضل من العمل في هذه الشهور ، والمراد : { خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } عار من ليلة القدر ، وعلى هذا أكثر المفسرين . وقال أبو العالية : { خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } : رمضان لا يكون فيها ليلة القدر . وقيل : المعنى خير من الدهر كله ، لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء كلها ، قال تعالى : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } ، يعني جميع الدهر . وعوتب الحسن بن عليّ على تسليمه الأمر لمعاوية فقال : إن الله تعالى أرى في المنام نبيه صلى الله عليه وسلم ) بني أمية ينزون على مقبرة نزو القردة ، فاهتم لذلك ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر ، وهي خير من مدة ملوك بني أمية ، وأعلمه أنهم يملكون هذا القدر من الزمان . قال القاسم بن الفضل الجذامي : فعددنا ذلك فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً . وخرج قريباً من معناه الترمذي وقال : حديث غريب ، انتهى . وقيل : آخر ملوكهم مروان الجعدي في آخر هذا القدر من الزمان ، ولا يعارض هذا تملك بني أمية في جزيرة الأندلس مدة غير هذه ، لأنهم كانوا في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب ، بحيث كان في إقليم العرب إذ ذاك ملوك كثيرون غيرهم . وذكر أيضاً في تخصيص هذه المدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت أعمالهم ، فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي . وقيل : إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر ، فأعطوا ليلة ، إن أحيوها ، كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد . وقال أبو بكر الوراق : ملك كل من سليمان وذي القرنين خمسمائة سنة ، فصار ألف شهر ، فجعل الله العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيراً من ملكهما . .
{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ } : تقدم الخلاف في الروح ، أهو جبريل ، أم رحمة ينزل بها ، أم ملك غيره ، أم أشرف الملائكة ، أم جند من غيرهم ، أم حفظة على غيرهم من الملائكة ؟ والتنزل إما إلى الأرض ، وإما إلى سماء الدنيا . { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } : متعلق بتنزل { مّن كُلّ أَمْرٍ } : متعلق بتنزل ومن للسبب ، أي تتنزل من أجل كل أمر قضاه الله لتلك السنة إلى قابل . { وَسَلَامٌ } : مستأنف خبر للمبتدأ الذي هو هي ، أي هي سلام إلى أول يومها ، قاله أبو العالية ونافع المقري والفراء ، وهذا على قول من قال : إن تنزلهم التقدير : الأمور لهم . وقال أبو حاتم : من بمعنى الباء ، أي بكل أمر ؛ وابن عباس وعكرمة والكلبي : من كل امرىء ، أي من أجل كل إنسان . وقيل : يراد بكل امرىء الملائكة ، أي من كل ملك تحية على المؤمنين العاملين بالعبادة . وأنكر هذا القول أبو حاتم . { سَلَامٌ هِىَ } : أي هي سلام ، جعلها سلاماً لكثرة السلام فيها . قيل : لا يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلموا عليه في تلك الليلة . وقال منصور والشعبي : سلام بمعنى التحية ، أي تسلم الملائكة على المؤمنين . ومن قال : تنزلهم ليس لتقدير الأمور في تلك السنة ، جعل الكلام تاماً عند قوله : { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } . وقال : { مّن كُلّ أَمْرٍ } متعلق بقوله : { سَلَامٌ هِىَ } ، أي من كل أمر مخوف ينبغي أن يسلم منه هي سلام . وقال مجاهد : لا يصيب أحداً فيها داء . وقال صاحب اللوامح : وقيل معناه هي سلام من كل أمر ، وأمري سالمة أو مسلمة منه ، ولا يجوز أن يكون سلام بهذه اللفظة الظاهرة التي هي المصدر عاملاً فيما قبله لامتناع تقدم معمول المصدر على المصدر . كما أن الصلة كذلك لا يجوز تقديمها على الموصول ، انتهى . .
وعن ابن عباس : تم الكلام عند قوله : { سَلَامٌ } ، ولفظة { هِىَ } إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين من الشهر ، إذ هذه الكلمة هي السابعة والعشرون من كلمات هذه السورة ، انتهى . ولا يصح مثل هذا عن ابن عباس ، وإنما هذا من باب اللغز المنزه عنه كلام الله تعالى . وقرأ الجمهور : { مَطْلِعَ } بفتح اللام ؛ وأبو رجاء والأعمش وابن وثاب وطلحة وابن محيصن والكسائي وأبو عمرو : بخلاف عنه بكسرها ، فقيل : هما مصدران في لغة بني تميم . وقيل : المصدر بالفتح ، وموضع الطلوع بالكسر عند أهل الحجاز . .