@ 481 @ .
والتوديع مبالغة في الودع ، لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك . { وَمَا قَلَى } : ما أبغضك ، واللغة الشهيرة في مضارع قلى يقلى ، وطيىء تعلى بفتح العين وحذف المفعول اختصاراً في { قَلَى } ، وفي { فَاوَى } وفي { فَهَدَى } ، وفي { فَأَغْنَى } ، إذ يعلم أنه ضمير المخاطب ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ) . قال ابن عباس وغيره : أبطأ الوحي مرة على الرسول صلى الله عليه وسلم ) وهو بمكة ، حتى شق ذلك عليه ، فقالت أم جميل ، امرأة أبي لهب : يا محمد ما أرى شيطانك إلا تركك ؟ فنزلت . وقال زيد بن أسلم : إنما احتبس عنه جبريل عليه السلام لجرو كلب كان في بيته . .
{ وَلَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاْولَى } : يريد الدارين ، قاله ابن إسحاق وغيره . ويحتمل أن يريد حالتيه قبل نزول السورة وبعدها ، وعده تعالى بالنصر والظفر ، قاله ابن عطية اهتمالاً . وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف اتصل قوله : { وَلَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاْولَى } بما قبله ؟ قلت : لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك ، وأنك حبيب الله ، ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ، ولا نعمة أجل منه ، أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل ، وهو السبق والتقدم على جميع أنبياء الله ورسله ، وشهادة أمته على سائر الأمم ، ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته . { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } ، قال الجمهور : ذلك في الآخرة . وقال ابن عباس : رضاه أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار . وقال أيضاً : رضاه أنه وعده بألف قصر في الجنة بما تحتاج إليه من النعم والخدم . وقيل : في الدنيا بفتح مكة وغيره ، والأولى أن هذا موعد شامل لما أعطاه في الدنيا من الظفر ، ولما ادخر له من الثواب . واللام في { وَلَلاْخِرَةُ } لام ابتداء أكدت مضمون الجملة ، وكذا في { وَلَسَوْفَ } على إضمار مبتدأ ، أي ولأنت سوف يعطيك . .
ولما وعده هذا الموعود الجليل ، ذكره بنعمه عليه في حال نشأته . { أَلَمْ يَجِدْكَ } : يعلمك ، { يَتِيماً } : توفي أبوه عليه الصلاة والسلام وهو جنين ، أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثماني سنين ، فكفله عمه أبو طالب فأحسن تربيته . وقيل لجعفر الصادق : لم يتم النبي صلى الله عليه وسلم ) من أبويه ؟ فقال : لئلا يكون عليه حق لمخلوق . قال الزمخشري : ومن يدع التفاسير أنه من قولهم درّة يتيمة ، وأن المعنى : ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك ، انتهى . وقرأ الجمهور : { فَاوَى } رباعياً ؛ وأبو الأشهب العقيلي : فأوى ثلاثياً ، بمعنى رحم . تقول : أويت لفلان : أي رحمته ، ومنه قول الشاعر : % ( أراني ولا كفران لله أنه % .
لنفسي قد طالبت غير منيل .
) % .
.
{ وَوَجَدَكَ ضَالاًّ } : لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى ، لأن الأنبياء معصومون من ذلك . قال ابن عباس : هو ضلاله وهو في صغره في شعاب مكة ، ثم رده الله إلى جده عبد المطلب . وقيل : ضلاله من حليمة مرضعته . وقيل : ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب ، ولبعض المفسرين أقوال فيها بعض ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ولقد رأيت في النوم أني أفكر في هذه الجملة فأقول على الفور : { وَوَجَدَكَ } ، أي وجد رهطك ، { ضَالاًّ } ، فهداه بك . ثم أقول : على حذف مضاف ، نحو : { وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ } . وقرأ الجمهور : { عَائِلاً } : أي فقيراً . قال جرير : % ( الله نزل في الكتاب فريضة % .
لابن السبيل وللفقير العائل .
) % .
.
كرر لاختلاف اللفظ . وقرأ اليماني : عيّلاً ، كسيّدٍ ، بتشديد الياء المكسورة ، ومنه قول أجيحة بن الحلاج