@ 475 @ أقيم المقسم به مقامه ، أي : وطلوع النجم ، ومجيء الليل ، لأنه معمول لذلك الفعل . فالطلوع حال ، ولا يعمل فيه المستقبل ضرورة أن زمان المعمول زمان العامل ، ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم به لأنه ليس من قبيل ما يعمل ، سيما إن كان جزماً ، ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف فيكون قد عمل فيه ، ويكون ذلك العامل في موضع الحال وتقديره : والنجم كائناً إذا هوى ، والليل كائناً إذا يغشى ، لأنه لا يلزم كائناً أن يكون منصوباً بالعامل ، ولا يصح أن يكون معمولاً لشيء مما فرضناه أن يكون عاملاً . وأيضاً فقد يكون القسم به جثة ، وظروف الزمان لا تكون أحوالاً عن الجثث ، كما لا تكون أخباراً . .
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } : اسم جنس ، ويدل على ذلك ما بعده من قوله : { فَأَلْهَمَهَا } وما بعده ، وتسويتها : إكمال عقلها ونظرها ، ولذلك ارتبط به { فَأَلْهَمَهَا } ، لأن الفاء تقتضي الترتيب على ما قبلها من التسوية التي هي لا تكون إلا بالعقل . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم نكرت النفس ؟ قلت : فيه وجهان : أحدها : أن يريد نفساً خاصة من النفوس ، وهي نفس آدم ، كأنه قال : وواحدة من النفوس ، انتهى . وهذا فيه بعد للأوصاف المذكورة بعدها ، فلا تكون إلا للجنس . ألا ترى إلى قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } ، كيف تقتضي التغاير في المزكى وفي المدسى ؟ { فَأَلْهَمَهَا } ، قال ابن جبير : ألزمها . وقال ابن عباس : عرفها . وقال ابن زيد : بين لها . وقال الزجاج : وفقها للتقوى ، وألهمها فجورها : أي خذلها ، وقيل : عرفها وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور واكتساب التقوى . وقال الزمخشري : ومعنى إلهام الفجور والتقوى : إفهامها وإعقالها ، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح ، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما بدليل قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } ، فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما . والتزكية : الإنماء ، والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال . .
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } ، قال الزجاج وغيره : هذا جواب القسم ، وحذفت اللام لطول الكلام ، والتقدير : لقد أفلح . وقيل : الجواب محذوف تقديره لتبعثن . وقال الزمخشري : تقديره ليدمدمن الله عليهم ، أي على أهل مكة ، لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً . وأما { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } فكلام تابع لقوله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء ، انتهى . وزكاؤها : ظهورها ونماؤها بالعمل الصالح ، ودساها : أخفاها وحقرها بعمل المعاصي . والظاهر أن فاعل زكى ودسى ضمير يعود على من ، وقاله الحسن وغيره . ويجوز أن يكون ضمير الله تعالى ، وعاد الضمير مؤنثاً باعتبار المعنى من مراعاة التأنيث . وفي الحديث ما يشهد لهذا التأويل ، كان عليه السلام إذا قرأ هذه الآية قال : ( اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ) . وقال الزمخشري : وأما قول من زعم أن الضمير في زكى ودسى لله تعالى ، وأن تأنيث الراجع إلى من لأنه في معنى النفس ، فمن تعكيس القدرية الذين يوركون على الله قدراً هو بريء منه ومتعال عنه ، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه تعالى ، انتهى . فجرى على عادته في سب أهل السنة . هذا ، وقائل ذلك هو بحر العلم عبد الله بن عباس ، والرسول صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( وزكها أنت خير من زكاها ) . .
وقال تعالى : { دَسَّاهَا } في أهل الخير بالرياء وليس منهم ؛ وحين قال : { وَتَقْوَاهَا } أعقبه بقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } . ولما قال : { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } ، أعقبه بأهل الجنة . ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه ، ذكر فرقة فعلت ذلك ليعتبر بهم . { بِطَغْوَاهَا } : الباء عند الجمهور سببية ، أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها . وقال ابن عباس : الطغوى هنا العذاب ، كذبوا به حتى نزل بهم لقوله : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ } . وقرأ الجمهور : { بِطَغْوَاهَا } بفتح الطاء ، وهو مصدر من الطغيان ، قلبت فيه الياء واواً فصلاً بين الاسم وبين الصفة ، قالوا فيها صرنا وحدنا ، وقالوا في الاسم تقوى وشروي . وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة : بضم الطاء ، وهو مصدر كالرجعى ، وكان قياسها الطغيا بالياء كالسقيا ، لكنهم شذوا فيه . { إِذِ انبَعَثَ } : أي خرج لعقر الناقة بنشاط وحرص ، والناصب لإذ { كَذَّبَتْ } ، و { أَشْقَاهَا } : قدار بن سالف ، وقد يراد به الجماعة ، لأن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة جاز إفراده وإن عنى به جمع . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونوا جماعة ،