@ 473 @ِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } . .
هذه السورة مكية . ولما تقدّم القسم ببعض المواضع الشريفة وما بعدها ، أقسم هنا بشيء من العالم العلوي والعالم والسفلي ، وبما هو آلة التفكر في ذلك ، وهو النفس . وكان آخر ما قبلها مختتماً بشيء من أحوال الكفار في الآخرة ، فاختتم هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا ، وفي ذلك بمآلهم في الآخرة إلى النار ، وفي الدنيا إلى الهلاك المستأصل . وتقدم الكلام على ضحى في سورة طه عند قوله : { وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } . وقال مجاهد : هو ارتفاع الضوء وكماله . وقال مقاتل : حرها لقوله { وَلاَ تَضْحَى } . وقال قتادة : هو النهار كله ، وهذا ليس بجيد ، لأنه قد أقسم بالنهار . والمعروف في اللغة أن الضحى هو بعيد طلوع الشمس قليلاً ، فإذا زاد فهو الضحاء ، بالمد وفتح الضاد إلى الزوال ، وقول مقاتل تفسير باللازم . وما نقل عن المبرد من أن الضحى مشتق من الضح ، وهو نور الشمس ، والألف مقلوبة من الحاء الثانية ؛ وكذلك الواو في ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية ، لعله مختلق عليه ، لأن المبرد أجل من أن يذهب إلى هذا ، وهذان مادتان مختلفتان لا تشتق إحداهما من الأخرى . .
{ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا } ، قال الحسن والفراء : تلاها معناه تبعها دأباً في كل وقت ، لأنه يستضيء منها ، فهو يتلوها لذلك . وقال ابن زيد : يتلوها في الشهر كله ، يتلوها في النصف الأول من الشهر بالطلوع ، وفي الآخر بالغروب . وقال ابن سلام : في النصف الأول من الشهر ، وذلك لأنه يأخذ موضعها ويسير خلفها ، إذا غابت يتبعها القمر طالعاً . وقال قتادة : إنما ذلك البدر ، تغيب هي فيطلع هو . وقال الزجاج وغيره : تلاها معناه : امتلأ واستدار ، وكان لها تابعاً للمنزل من الضياء والقدر ، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر . وقيل : من أول الشهر إلى نصفه ، في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو ؛ وفي النصف الآخر يتحاوران ، وهو أن تغرب هي فيطلع هو . وقال الزمخشري : تلاها طالعاً عند غروبها أخداً من نورها وذلك في النصف الأول من الشهر . .
{ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } : الظاهر أن مفعول جلاها هو الضمير عائد على الشمس ، لأنه عند انبساط النهار تنجلي الشمس في ذلك الوقت تمام الإنجلاء . وقيل : يعود على الظلمة . وقيل : على الأرض . وقيل : على الدنيا ، والذي يجلي الظلمة هو الشمس أو النهار ، فإنه وإن لم تطلع الشمس لا تبقى الظلمة ، والفاعل بجلاها ضمير النهار . قيل : ويحتمل أن يكون عائداً على الله تعالى ، كأنه قال : والنهار إذا جلى الله الشمس ، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته . .
{ وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } : أي يغشى الشمس ، فبدخوله تغيب وتظلم الآفاق ، ونسبة ذلك إلى الليل مجاز . وقيل : الضمير عائد على الأرض ، والذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله : { يَغْشَاهَا } عائدة على الشمس . وكما أن النهار جلاها ، كان النهار هو الذي يغشاها . ولما كانت الفواصل ترتبت على ألف وهاء المؤنث ، أتى { وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } بالمضارع ، لأنه الذي ترتب فيه . ولو أتى بالماضي ، كالذي قبله وبعده ، كان يكون التركيب إذا غشيها ، فتفوت الفاصلة ، وهي مقصودة . وقال القفال ما ملخصه : هذه الأقسام بالشمس في الحقيقة بحسب أوصاف أربعة : ضوءها عند ارتفاع النهار وقت انتشار الحيوان ، وطلب المعاش ، وتلو القمر لها بأخذه الضوء ، وتكامل طلوعها وبروزها وغيبوبتها بمجيء الليل . وما في قوله : { وَمَا بَنَاهَا * وَمَا طَحَاهَا * وَمَا سَوَّاهَا } ، بمعنى الذي ، قاله الحسن ومجاهد وأبو عبيدة ، واختاره الطبري ، قالوا : لأن ما تقع على أولي العلم وغيرهم . وقيل : مصدرية ، قاله قتادة والمبرد والزجاج ، وهذا قول من ذهب إلى أن ما لا تقع على آحاد أولي العلم . .
وقال الزمخشري : جعلت مصدرية ، وليس بالوجه لقوله : { فَأَلْهَمَهَا } ، وما يؤدي إليه من فساد النظم والوجه أن تكون موصولة ، وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية ، كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها ، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها ، وفي كلامهم سبحان من سخركن لنا ، انتهى . .
أما قوله : وليس بالوجه لقوله : { فَأَلْهَمَهَا } ، يعني من عود الضمير في { فَأَلْهَمَهَا } على الله تعالى ، فيكون قد عاد على مذكور ، وهو ما المراد به