@ 467 @ الدنيا مثله ، والأول أوضح لقوله : { لاَّ يُعَذّبُ * وَلاَ يُوثِقُ } ، ولا يطلق على الماضي إلا بمجاز بعيد ، بل موضوع ، لا إذا دخلت على المضارع أن يكون مستقبلاً . ويجوز أن يكون الضمير قبلها عائداً على الكافر ، أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه . وقيل إلى الله ، أي لا يعذب أحد في الدنيا عذاب الله للكافر ، ويضعف هذا عمل لا يعذب في يومئذ ، وهو ظرف مستقبل . وقرأ ابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوّار القاضي وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وسلام والكسائي ويعقوب وسهل وخارجة عن أبي عمرو : بفتح الذال والثاء مبنيين للمفعول ، فيجوز أن يكون الضمير فيهما مضافاً للمفعول وهو الأظهر ، أي لا يعذب أحد مثل عذابه ، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه ، أو لا يحمل أحد عذاب الإنسان لقوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وعذاب وضع موضع تعذيب . وفي اقتباس مثل هذا خلاف ، وهو أن يعمل ما وضع لغير المصدر ، كالعطاء والثواب والعذاب والكلام . فالبصريون لا يجيزونه ويقيسونه . وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم : وثاقه بكسر الواو ؛ والجمهور : بفتحها ، والمعذب هو الكافر على العموم . وقيل : هو أمية بن خلف . وقيل : أبيّ بن خلف . وقيل : المراد به إبليس ؛ وقام الدليل على أنه أشد من الناس عذاباً ، ويدفع القول هذا قوله : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ } ، والضمائر كلها مسوقة له . .
ولما ذكر تعالى شيئاً من أحوال من يعذب ، ذكر شيئاً من أحوال المؤمن فقال : { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ } ، وهذا النداء الظاهر إنه على لسان ملك . وقرأ الجمهور : بتاء التأنيث . وقرأ زيد بن علي : يا أيها بغير تاء ، ولا أعلم أحداً ذكر أنها تذكر ، وإن كان المنادى مؤنثاً ، إلا صاحب البديع . وهذه القراءة شاهدة بذلك ، ولذلك وجه من القياس ، وذلك أنه لم يثن ولم يجمع في نداء المثنى والمجموع ؛ فكذلك لم يؤنث في نداء المؤنث . { الْمُطْمَئِنَّةُ } : الآمنة التي لا يلحقها خوف ولا حزن ، أو التي كانت مطمئنة إلى الحق لم يخالطها شك . قال ابن زيد : يقال لها ذلك عند الموت وخروجها من جسد المؤمن في الدنيا . وقيل : عند البعث . وقيل : عند دخول الجنة . { إِلَى رَبّكَ } : أي إلى موعد ربك . وقيل : الرب هنا الإنسان دون النفس ، أي ادخل في الأجساد ، والنفس اسم جنس . وقيل : هذا النداء هو الآن للمؤمنين . لما ذكر حال الكفار قال : يا مؤمنون دوموا وجدوا حتى ترجعوا راضين مرضيين ، { رَّاضِيَةٍ } بما أوتيته ، { مَّرْضِيَّةً } عند الله . { فَادْخُلِى فِى عِبَادِى } : أي في جملة عبادي الصالحين . { وَادْخُلِى جَنَّتِى } معهم . وقيل : النفس والروح ، والمعنى : فادخلي في أجساد عبادي . وقرأ الجمهور : { فِى عِبَادِى } جمعاً ؛ وابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح والكلبي وأبو شيخ الهنائي واليماني : في عبدي على الإفراد ، والأظهر أنه أريد به اسم الجنس ، فمدلوله ومدلول الجمع واحد . وقيل : هو على حذف خاطب النفس مفردة فقال : فادخلي في عبدي : أي في جسد عبدي . وتعدى فادخلي أولاً بفي ، وثانياً بغير فاء ، وذلك أنه إذا كان المدخول فيه غير ظرف حقيقي تعددت إليه بفي ، دخلت في الأمر ودخلت في غمار الناس ، ومنه : { فَادْخُلِى فِى عِبَادِى } . وإذا كان المدخول فيه ظرفاً حقيقياً ، تعدت إليه في الغالب بغير وساطة في . قيل : في عثمان بن عفان . وقيل : في حمزة . وقيل : في خبيب بن عدي ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين . .