@ 458 @ المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع ، يعني أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك ، والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به ، وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه ، ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه ، وهما إماطة الجوع وإفادة القوة ، والسمن في البدن ، انتهى . فقوله : مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع . أما جره على وصفه لضريع فيصح ، لأنه مثبت منفي عنه السمن والإغناء من الجوع . وأما رفعه على وصفه لطعام فلا يصح ، لأن الطعام منفي ولا يسمن ، منفي فلا يصح تركيبه ، إذ يصير التقدير : ليس لهم طعام لا يسمن ولا يغني من جوع إلا من ضريع ، فيصير المعنى : أن لهم طعاماً يسمن ويغني من جوع من غير ضريع ، كما تقول : ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو ، فمعناه أن له مالاً ينتفع به من غير مال عمرو . ولو قيل : الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في { إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } كان صحيحاً ، لأنه في موضع رفع على أنه بدل من اسم ليس ، أي ليس لهم طعام إلا كائن من ضريع ، إذ الإطعام من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع ، وهذا تركيب صحيح ومعنى واضح ، وقال الزمخشري : أو أريد أن لا طعام لهم أصلاً ، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس ، لأن الطعام ما أشبع وأسمن ، وهو منهما بمعزل . كما تقول : ليس لفلان ظل إلا الشمس ، تريد نفي الظل على التوكيد . انتهى . فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً ، إذ لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظة طعام ، إذ ليس بطعام . والظاهر الاتصال فيه . وفي قوله : { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } ، لأن الطعام هو ما يتطعمه الإنسان ، وهذا قدر مشترك بين المستلذ والمكروه وما لا يستلذ ولا يستكره . .
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } : صح الابتداء في هذا وفي قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } بالنكرة لوجود مسوغ ذلك وهو التفصيل ، ناعمة لحسنها ونضارتها أو متنعمة . { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } : أي لعملها في الدنيا بالطاعة ، راضية إذا كان ذلك العمل جزاؤه الجنة . { فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } : أي مكاناً ومكانة . وقرأ الأعرج وأهل مكة والمدينة ونافع وابن كثير وأبو عمرو بخلاف عنهم . { لاَ تُسْمِعُ } مبنياً للمفعول ، { لَاغِيَةً } : رفع ، أي كلمة لاغية ، أو جماعة لاغية ، أو لغو ، فيكون مصدراً كالعاقبة ، ثلاثة أقوال ، الثالث لأبي عبيدة وابن محيصن وعيسى وابن كثير وأبو عمرو كذلك ، إلا أنهم قرأوا بالياء لمجاز التأنيث ، والفضل والجحدري كذلك ، إلا أنه نصب لاغية على معنى لا يسمع فيها ، أي أحد من قولك : أسمعت زيداً ؛ والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر وقتادة وابن سيرين ونافع في رواية خارجة وأبو عمرو بخلاف عنه ؛ وباقي السبعة : لا تسمع بتاء الخطاب عموماً ، أو للرسول عليه الصلاة والسلام ، أو الفاعل الوجود . لاغية : بالنصب ، { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } : عين اسم جنس ، أي عيون ، أو مخصوصة ذكرت تشريفاً لها . { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } : من رفعة المنزلة أو رفعة المكان ليرى ما خوله ربه من الملك والنعيم ، أو مخبوءة من رفعت لك هذا ، أي خبأته . } وأكواب موضوعة } : أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء ، أو موضوعة بين أيديهم ، أو موضوعة على حافات العيون . { * } وأكواب موضوعة } : أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء ، أو موضوعة بين أيديهم ، أو موضوعة على حافات العيون . { * } : أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء ، أو موضوعة بين أيديهم ، أو موضوعة على حافات العيون . { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } : أي وسائد صف بعضها إلى جنب بعض للاستناد إليها والاتكاء عليها . { وَزَرَابِيُّ } : متفرقة هنا وهنا في المجالس . .
ولما ذكر تعالى أمر القيامة وانقسام أهلها إلى أشقياء وسعداء ، وعلم أنه لا سبيل إلى إثبات ذلك إلا بواسطة الصانع الحكيم ، أتبع ذلك بذكره هذه الدلائل ، وذكر ما العرب مشاهدوه وملابسوه دائماً فقال : { مَبْثُوثَةٌ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } ، وهي الجمال ، فإنه اجتمع فيها ما تفرق من المنافع في غيرها ، من أكل لحمها ، وشرب لبنها ، والحمل عليها ، والتنقل عليها إلى البلاد الشاسعة ، وعيشها بأي نبات أكلته ، وصبرها على العطش حتى أن فيها ما يرد الماء لعشر ، وطواعيتها لمن يقودها ، ونهضتها وهي باركة بالأحمال الثقال ، وكثرة جنينها ، وتأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها ، وهي لا شيء من الحيوان جميع هذه الخصال غيرها . وقد أبان تعالى امتنانه عليهم بقوله : { أَوَ لَمْ * يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعاماً } ، الآيات . ولكونها أفضل ما عند الغرب ، جعلوها دية القتل ، ووهبوا المائة منها من يقصدهم ومن أرادوا إكرامه ، وذكرها الشعراء في مدح من وهبها ، كما قال : .
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية .
وقال آخر : .
الواهب المائة الهجان برمتها