@ 512 @ للصواب . .
وما من قوله : ما ننسخ ، شرطية ، وهي مفعول مقدّم ، وفي ننسخ التفات ، إذ هو خروج من غائب إلى متكلم . ألا ترى إلى قوله : { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ } ؟ { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ } ؟ وقرأ الجمهور : ننسخ من نسخ ، بمعنى أزال ، فهو عام في إزالة اللفظ والحكم معاً ، أو إزالة اللفظ فقط ، أو الحكم فقط . وقرأت طائفة وابن عامر من السبعة : ما ننسخ من الإنساخ ، وقد استشكل هذه القراءة أبو علي الفارسي فقال : ليست لغة ، لأنه لا يقال نسخ وأنسخ بمعنى ، ولا هي للتعدية ، لأن المعنى يجيء : ما يكتب من آية ، أي ما ينزل من آية ، فيجيء القرآن كله على هذا منسوخاً . وليس الأمركذلك ، فلم يبق إلا أن يكون المعنى : ما نجده منسوخاً ، كما يقال : أحمدت الرجل إذا وجدته محموداً ، وأبخلته إذا وجدته بخيلاً . قال أبو عليّ : وليس نجده منسوخاً إلا بأن ينسخه ، فتتفق القراءات في المعنى ، وإن اختلفا في اللفظ . انتهى كلامه . فجعل الهمزة في النسخ ليست للتعدية ، وإنما أفعل لوجود الشيء بمعنى ما صيغ منه ، وهذا أحد معاني أفعل المذكورة فيه فاتحة الكتاب . وجعل الزمخشري الهزة فيه للتعدية قال : وإنساخها الأمر بنسخها ، وهو أن يأمر جبريل عليه السلام بأن يجعلها منسوخة ، بالإعلام بنسخها ، وهذا تثبيج في العبارة عن معنى كون الهمزة للتعدية . وإيضاحه أن نسخ يتعدى لواحد ، فلما دخلت همزة النقل تعدى لاثنين . تقول : نسخ زيد الشيء ، أي أزاله ، وأنسخه إياه عمرو : أي جعل عمرو زيداً ينسخ الشيء ، أي يزيله . وقال ابن عطية : التقدير ما ننسخك من آية ، أي ما نبيح لك نسخة ، كأنه لما نسخه الله أباح لنبيه تركها بذلك النسخ ، فسمى تلك الإباحة إنساخاً . وهذا الذي ذكر ابن عطية أيضاً هو جعل الهمزة للتعدية ، لكنه والزمخشري اختلفا في المفعول الأول المحذوف ، أهو جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم ) ؟ وجعل الزمخشري الإنساخ هو الأمر بالنسخ . وجعل ابن عطية الإنساخ إباحة الترك بالنسخ . وخرّج ابن عطية هذه القراءة على تخريج آخر وهو : أن تكون الهمزة فيه للتعدية أيضاً ، وهو من نسخ الكتاب ، وهو نقله من غير إزالة له ، قال : ويكون المعنى ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله ، أي ذلك فعلنا ، فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك ، أو بمثله ، فتجيء الضميرات في منها وبمثلها عائدين على الضمير في ننسأها . انتهى كلامه . وذهل عن القاعدة النحوية ، وهي أن اسم الشرط لا بد في جوابه من عائد عليه . وما في قوله : ما ننسخ شرطية ، وقوله : أو ننساها ، عائد على الآية ، وإن كان المعنى ليس عائداً عليها نفسها من حيث اللفظ والمعنى ، إنما يعود عليها لفظاً لا معنى ، فهو نظير قولهم : عندي درهم ونصفه ، فهو في الحقيقة على إضمار ما الشرطية . التقدير : أو ما ننسأ من آية ، ضرورة أن المنسوخ هو غير المنسوء ، لكن يبقى قوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ } مفلتاً من الجواب ، إذ لا رابط فيه منه له ، وذلك لا يجوز ، فبطل هذا المعنى . .
من آية ، من : هنا للتبعيض ، وآية مفرد وقع موقع الجمع ، ونظيره فارس في قولك : هذا أول فارس ، التقدير : أول الفوارس . والمعنى : أي شيء من الآيات . وكذلك ما جاء من هذا النحو في القرآن ، وفي كلام العرب تخريجه هكذا ، نحو قوله : { مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } ، { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ } ، وقولهم : من يضرب من رجل اضربه . ويتضح بهذا المجرور ما كان معمولاً لفعل الشرط ، لأنه مخصص له ، إذ في اسم الشرط عموم ، إذ لو لم يأت بالمجرور لحمل على العموم . لو قلت : من يضرب أضرب ، كان عاماً في مدلول من . فإذا قلت : من رجل ، اختص جنس الرجال بذلك ، ولم يدخل فيه النساء ، وإن كان مدلول من عامًّا للنوعين . ولهذا المعنى جعل بعضهم من آية ، وما أشبهه في موضع نصب على التمييز . قال : والمميز ما