@ 444 @ نحو هذا ، وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الأخدود ، فعلى هذا يكون القتل حقيقة لا بمعنى اللعن ، ويكون خبراً عن ما فعله الله بالكفار والذين أرادوا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم . وقول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دل عليه القصص الذي ذكروه . وقرأ الجمهور : { النَّارِ } بالجر ، وهو بدل اشتمال ، أو بدل كل من كل على تقدير محذوف ، أي أخدود النار . وقرأ قوم النار بالرفع . قيل : وعلى معنى قتلهم ، ويكون أصحاب الأخدود إذ ذاك المؤمنين ، وقتل على حقيقته . وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة وعيسى : الوقود بضم الواو وهو مصدر ، والجمهور : بفتحها ، وهو ما يوقد به . وقد حكى سيبويه أنه بالفتح أيضاً مصدر كالضم . والظاهر أن الضمير في { إِذْ هُمْ } عائد على الذين يحرقون المؤمنين ، وكذلك في { وَهُمْ } على قول الربيع يعود على الكافرين ، ويكون هم أيضاً عائداً عليهم ، ويكون معنى { عَلَى مَا يَفْعَلُونَ } : ما يريدون من فعلهم بالمؤمنين . وقيل : أصحاب الأخدود محرق ، وتم الكلام عند قوله : { ذَاتِ الْوَقُودِ } ، ويكون المراد بقوله : { وَهُمْ } قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات ، وإذا العامل فيه قتل ، أي لعنوا وقعدوا على النار ، أو على ما يدنو منها من حافات الأخدود ، كما قال الأعشى : % ( تشب لمقرورين يصطليانها % .
وبات على النار الندى والمحلق .
) % .
.
{ شُهُودٌ } : يشهد بعضهم لبعض عند الملك ، أي لم يفرط فيما أمر به ، أو شهود يوم القيامة على ما فعلوا بالمؤمنين ، يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم . وقرأ الجمهور : { نَقَمُواْ } بفتح القاف ؛ وزيد بن عليّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بكسرها ، أي ما عابوا ولا أنكروا الإيمان ، كقوله : { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بِاللَّهِ } ، وكقول قيس الرقيات : % ( ما نقموا من بني أمية إلا % .
أنهم يحلمون أن غضبوا .
) % .
.
جعلوا ما هو في غاية الحسن قبيحاً حتى نقموا عليه ، كما قال الشاعر : % ( ولا عيب فيها غير شكلة عينها % .
كذاك عتاق الطير شكلاً عيونها .
) % .
.
وفي المنتخب : إنما قال { إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ } ، لأن التعذيب إنما كان واقعاً على الإيمان في المستقبل ، ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوا على ما مضى ، فكأنه قال : إلا أن يدعوا على إيمانهم . انتهى . وذكر الأوصاف التي يستحق بها تعالى أن يؤمن به ، وهو كونه تعالى عزيزاً غالباً قادراً يخشى عقابه ، حميداً منعماً يجب له الحمد على نعمته ، له ملك السموات والأرض وكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له تقريراً لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغي . .
{ وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } : وعيد لهم ، أي إنه علم ما فعلوا فهو يجازيهم . والظاهر أن { الَّذِينَ فَتَنُواْ } عام في كل من ابتلى المؤمنين والمؤمنات بتعذيب أو أذى ، وأن لهم عذابين : عذاباً لكفرهم ، وعذاباً لفتنتهم . وقال الزمخشري : يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة ، وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود ، ومعنى فتنوهم : عذبوهم بالنار وأحرقوهم ، { فَلَهُمْ } في الآخرة { عَذَابَ جَهَنَّمَ } بكفرهم ، { وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } : وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق ، أو لهم عذاب جهنم في الآخرة ، ولهم عذاب الحريق في الدنيا لما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم ، انتهى . وينبغي أن لا يجوز هذا الذي جوّزه ، لأن في الآية { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } ، وأولئك المحرقون لم ينقل لنا أن أحداً منهم تاب ، بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلا وهم قد ماتوا على الكفر . وقال ابن عطية : { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } يقوي أن الآيات في قريش ، لأن هذا اللفظ في قريش