@ 510 @ القرآن لجاز حذفها . ولم تأت في قوله : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكّينَ } لمعنى يذكر هناك ، إن شاء الله تعالى . .
{ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم } : في موضع المفعول بيود ، وبناؤه للمفعول ، وحذف الفاعل للعلم به ، وللتصريح به في قوله : { مّن رَّبّكُمْ } . ولو بني للفاعل لم يظهر في قوله : { مّن رَّبّكُمْ } . { مّنْ خَيْرٍ } ، من : زائدة ، والتقدير : خير من ربكم ، وحسن زيادتها هنا ، وإن كان ينزل لم يباشره حرف النفي ، فليس نظير : ما يكرم من رجل ، لانسحاب النفي عليه من حيث المعنى ، لأنه إذا نفيت الودادة ، كان كأنه نفى متعلقها ، وهو الإنزال ، وله نظائر في لسان العرب ، من ذلك قوله تعالى : { أَوَ لَمْ * يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ } . فلما تقدّم النفي حسن دخول الباء ، وكذلك قول العرب : ما ظننت أحداً يقول ذلك إلا زيد ، بالرفع على البدل من الضمير المستكن في يقول ، وإن لم يباشره حرف النفي ، لأن المعنى : ما يقول ذلك أحد إلا زيد ، فيما أظن . وهذا التخريج هو على قول سيبويه والخليل . وأما على مذهب الأخفش والكوفيين في هذا المكان ، فيجوز زيادتها ، لأنهم لا يشترطون انتفاء الحكم عما تدخل عليه ، بل يجيزون زيادتها في الواجب وغيره . ويزيد الأخفش : أنه يجيز زيادتها في المعرفة . وذهب قوم إلى أن من للتبعيض ، ويكون على هذا المفعول الذي لم يسم فاعله هو عليكم ، ويكون المعنى : أن ينزل عليكم بخير من الخير من ربكم . .
{ مّن رَّبّكُمْ } : من : لابتداء الغاية ، كما تقول : هذا الخير من زيد . ويجوز أن تكون للتبعيض . المعنى من خير كائن من خيور ربكم ، فإذا كانت لابتداء الغاية تعلقت بقوله : ينزل ، وإذا كانت للتبعيض تعلقت بمحذوف ، وكان ذلك على حذف مضاف ، كما قدّرناه . والخير هنا : القرآن ، أو الوحي ، إذ يجمع القرآن وغيره ، أو ما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من التعظيم ؛ أو الحكمة والقرآن والظفر ؛ أو النبوة الإسلام ، أو العلم والفقه والحكمة ؛ أو هنا عام في جميع أنواع الخير ، فهم يودون انتفاء ذلك عن المؤمنين ، سبعة أقوال ، أظهرها الآخر . وسبب عدم ودهم ذلك : أما في اليهود ، فلكون النبوّة كانت في بني إسماعيل ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما النصارى ، فلتكذيبهم في إدعائهم ألوهية عيسى ، وأنه ابن الله ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما المشركون ، فلسبّ آلهتهم وتسفيه أحلامهم ، ولحسدهم أن يكون رجل منهم يختص بالرسالة ، واتباع الناس له . .
{ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء } : أي يفرد بها ، وضد الاختصاص : الاشتراك . ويحتمل أن يكون يختصّ هنا لازماً ، أي ينفرد ، أو متعدّياً ، أي يفرد ، إذ الفعل يأتي كذلك . يقال : اختصّ زيد بكذا ، واختصصته به ، ولا يتعين هنا تعديه ، كما ذكر بعضهم ، إذ يصح ، والله يفرد برحمته من يشاء ، فيكون من فاعلة ، وهو افتعل من : خصصت زيداً بكذا . فإذا كان لازماً ، كان لفعل الفاعل بنفسه نحو : اضطررت ، وإذا كان متعدياً ، كان موافقاً لفعل المجرّد نحو : كسب زيد مالاً ، واكتسب زيد مالاً . والرحمة هنا عامة بجميع أنواعها ؛ أو النبوّة والحكمة والنصرة ، اختص بها محمد صلى الله عليه وسلم ) ، قاله عليّ والباقر ومجاهد والزجاج ؛ أو الإسلام ، قاله ابن عباس ؛ أو القرآن ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ) ، { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ } ، هو نبي الرحمة ، أقوال خمسة ، أظهرها الأول . .
{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } : قد تقدّم أن ذو بمعنى صاحب . وذكر جملة من أحكام ذو ، والوصف بذو ، أشرف عندهم من الوصف بصاحب ، لأنهم ذكروا أن ذو أبداً لا تكون إلا مضافة لاسم ، فمدلولها أشرف . ولذلك جاء ذو رعين ، وذو يزن ، وذو الكلاع ، ولم يسمعوا بصاحب رعين ، ولا صاحب يزن ونحوها . وامتنع أن يقول في صحابي أبي سعيد أو جابر : ذو رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وجاز أن يقول : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . ولذلك وصف الله تعالى نفسه بقوله : { ذُو الْجَلْالِ } ، { ذُو الْفَضْلِ } ، وسيأتي الفرق بين قوله تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } ، إن شاء الله تعالى . وتقدّم تفسير { الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ، ويجوز أن يراد به هنا : جميع أنواع التفضلات ، فتكون أل للاستغراق ، وعظمه من جهة سعته وكثرته ، أو فضل النبوّة . وقد وصف تعالى ذلك بالعظم في قوله : { وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } ، أو الشريعة ، فعظمها من جهة بيان أحكامها ، من حلال ، وحرام ، ومندوب ، ومكروه ، ومباح ؛ أو الثواب والجزاء ، فعظمه من جهة السعة والكثرة