@ 426 @ُ الْقُوَى } . { عِندَ ذِى } : الكينونة اللائقة من شرف المنزلة وعظم المكانة . وقيل : العرش متعلق بمكين مطاع . ثم إشارة إلى { عِندَ ذِى الْعَرْشِ } : أي إنه مطاع في ملائكة الله المقربين يصدرون عن أمره . وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وأبو البرهثم وابن مقسم : ثم ، بضم الثاء : حرف عطف ، والجمهور : { ثُمَّ } بفتحها ، ظرف مكان للبعيد . وقال الزمخشري : وقرىء ثم تعظيماً للأمانة وبياناً لأنها أفضل صفاته المعدودة . انتهى . وقال صاحب اللوامح : بمعنى مطاع وأمين ، وإنما صارت ثم بمعنى الواو بعد أن مواضعتها للمهلة والتراخي عطفاً ، وذلك لأن جبريل عليه السلام كان بالصفتين معاً في حال واحدة ، فلو ذهب ذاهب إلى الترتيب والمهلة في هذا العطف بمعنى مطاع في الملأ الأعلى ، { ثَمَّ أَمِينٍ } عند انفصاله عنهم ، حال وحيه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لجاز أن لو ورد به أثر انتهى . { أَمِينٌ } : مقبول القول يصدق فيما يقوله ، مؤتمن على ما يرسل به من وحي وامتثال أمر . { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } : نفى عنه ما كانوا ينسبونه إليه ويبهتونه به من الجنون . .
{ وَلَقَدْ رَءاهُ } : أي رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ) جبريل عليه السلام ، وهذه الرؤية بعد أمر غار حراء حين رآه على كرسي بين السماء والأرض في صورته له ستمائة جناح . وقيل : هي الرؤية التي رآه فيها عند سدرة المنتهى ، وسمى ذلك الموضع أفقاً مجازاً . وقد كانت له عليه السلام ، رؤية ثانية بالمدينة ، وليست هذه . ووصف الأفق بالمبين لأنه روي أنه كان في المشرق من حيث تطلع الشمس ، قاله قتادة وسفيان . وأيضاً فكل أفق في غاية البيان . وقيل : في أفق السماء الغربي ، حكاه ابن شجرة . وقال مجاهد : رآه نحو جياد ، وهو مشرق مكة . وقرأ عبد الله وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروة وهشام بن جندب ومجاهد وغيرهم ، ومن السبعة النحويان وابن كثير : بظنين بالظاء ، أي بمتهم ، وهذا نظير الوصف السابق بأمين . وقيل : معناه بضعيف القوة على التبليغ من قولهم : بئر ظنون إذا كانت قليلة الماء ، وكذا هو بالظاء في مصحف عبد الله . وقرأ عثمان وابن عباس أيضاً والحسن وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة وجماعة غيرهم وباقي السبعة : بالضاد ، أي ببخيل يشح به لا يبلغ ما قيل له ويبخل ، كما يفعل الكاهن حتى يعطى حلوانه . قال الطبري : وبالضاد خطوط المصاحف كلها . .
{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } : أي الذي يتراءى له إنما هو ملك لا مثل الذي يتراءى للكهان . { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } : استضلال لهم ، حيث نسبوه مرة إلى الجنون ، ومرة إلى الكهانة ، ومرة إلى غير ذلك مما هو بريء منه . وقال الزمخشري : كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهاباً في بنيات الطريق : أي تذهب ؟ مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل . انتهى . { ذُكِرَ } : تذكرة وعظة ، { لِمَن شَاء } : بدل من { لّلْعَالَمِينَ } ، ثم عذق مشيئة العبيد بمشيئة الله تعالى . قال ابن عطية : ثم خصص تعالى من شاء الاستقامة بالذكر تشريفاً وتنبيهاً وذكراً لتلبسهم بأفعال الاستقامة . ثم بين تعالى أن تكسب العبد على العموم في استقامة وغيرها إنما يكون مع خلق الله تعالى واختراعه الإيمان في صدر المرء . انتهى . وقال الزمخشري : وإنما أبدلوا منهم لأن الذين شاءوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر ، فكأنه لم يوعظ به غيرهم ، وإن كانوا موعوظين جميعاً . { وَمَا تَشَاءونَ } الاستقامة يا من يشاؤها إلا بتوفيق الله تعالى ولطفه ، ما تشاءونها أنتم يا من لا يشاؤها إلا بقسر الله وإلجاته . انتهى . ففسر كل من ابن عطية والزمخشري المشيئة على مذهبه . وقال الحسن : ما شاءت العرب الإسلام حتى شاء الله لها . .