@ 420 @ ذَكَرَهُ } : أي فمن شاء أن يذكر هذه الموعظة ذكره ، أتى بالضمير مذكراً لأن التذكرة هي الذكر ، وهي جملة معترضة تتضمن الوعد والوعيد ، { فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً } ، واعترضت بين تذكرة وبين صفته ، أي تذكرة : كائنة . { فَى صُحُفٍ } ، قيل : اللوح المحفوظ ، وقيل : صحف الأولياء المنزلة ، وقيل : صحف المسلمين ، فيكون إخباراً بمغيب ، إذ لم يكتب القرآن في صحف زمان ، كونه عليه السلام بمكة ينزل عليه القرآن ، مكرمة عند الله ، ومرفوعة في السماء السابعة ، قاله يحيى بن سلام ، أو مرفوعة عن الشبه والتناقض ، أو مرفوعة المقدار . { مُّطَهَّرَةٍ } : أي منزهة عن كل دنس ، قاله الحسن . وقال أيضاً : مطهرة من أن تنزل على المشركين . وقال الزمخشري : منزهة عن أيدي الشياطين ، لا تمسها إلا أيدي ملائكة مطهرة . { سَفَرَةٍ } : كتبة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ . انتهى . { بِأَيْدِى سَفَرَةٍ } ، قال ابن عباس : هم الملائكة لأنهم كتبة . وقال أيضاً : لأنهم يسفرون بين الله تعالى وأنبيائه . وقال قتادة : هم القراء ، وواحد السفرة سافر . وقال وهب : هم الصحابة ، لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والعلم . .
{ قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ } ، قيل : نزلت في عتبة بن أبي لهب ، غاضب أباه فأسلم ، ثم استصلحه أبوه وأعطاه مالاً وجهزه إلى الشام ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أنه كافر برب النجم إذا هوى . وروي أنه صلى الله عليه وسلم ) قال : ( اللهم ابعث عليه كلبك يأكله ) . فلما انتهى إلى الغاضرة ذكر الدعاء ، فجعل لمن معه ألف دينار إن أصبح حياً ، فجعلوه وسط الرفقة والمتاع حوله . فأقبل الأسد إلى الرجال ووثب ، فإذا هو فوقه فمزقه ، فكان أبوه يندبه ويبكي عليه ، وقال : ما قال محمد شيئاً قط إلا كان ، والآية ، وإن نزلت في مخصوص ، فالإنسان يراد به الكافر . وقتل دعاء عليه ، والقتل أعظم شدائد الدنيا . { مَا أَكْفَرَهُ } ، الظاهر أنه تعجب من إفراط كفره ، والتعجب بالنسبة للمخلوقين ، إذ هو مستحيل في حق الله تعالى ، أي هو ممن يقال فيه ما أكفره . وقيل : ما استفهام توقيف ، أي : أي شيء أكفره ؟ أي جعله كافراً ، بمعنى لأي شيء يسوغ له أن يكفر . .
{ مِنْ أَىّ شَىْء خَلَقَهُ } : استفهام على معنى التقرير على حقارة ما خلق منه . ثم بين ذلك الشيء الذي خلق منه فقال : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } : أي فهيأه لما يصلح له . وقال ابن عباس : أي في بطن أمه ، وعنه قدر أعضاءه ، وحسناً ودميماً وقصيراً وطويلاً وشقياً وسعيداً . وقيل : من حال إلى حال ، نطفة ثم علقة ، إلى أن تم خلقه . { ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ } : أي ثم يسر السبيل ، أي سهل . قال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي : سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان ، وتيسيره له هو هبة العقل . وقال مجاهد والحسن وعطاء وابن عباس في رواية أبي صالح عنه : السبيل العام اسم الجنس في هدى وضلال ، أي يسر قوماً لهذا ، كقوله : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ } الآية ، وقوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ } ؛ وعن ابن عباس : يسره للخروج من بطن أمه . { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } : أي جعل له قبراً صيانة لجسده أن يأكله الطير والسباع . قبره : ذفنه ، وأقبره : صيره بحيث يقبر وجعل له قبراً ، والقابر : الدافن بيده . قال الأعشى : % ( لو أسندت ميتاً إلى قبرها % .
عاش ولم ينقل إلى قابر .
) % .
.
{ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ } : أي إذا أراد إنشاره أنشره ، والمعنى : إذا بلغ الوقت الذي قد شاءه الله ، وهو يوم القيامة . وفي كتاب اللوامح شعيب بن الحبحاب : شاء نشره ، بغير همز قبل النون ، وهما لغتان في الأحياء ؛ وفي كتاب ابن عطية : وقرأ شعيب بن أبي حمزة : شاء نشره . { كَلاَّ } : ردع للإنسان عن ما هو فيه من الكفر والطغيان . { لَمَّا يَقْضِ } : يفي من أول مدة تكليفه إلى حين إقباره ، { مَا أَمَرَهُ } به الله تعالى ، فالضمير في يقض للإنسان . وقال ابن فورك : لله تعالى ، أي لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان ، بل أمره بما لم يقض له . ولما عدّد تعالى نعمه في نفس الإنسان ، ذكر النعم فيما به قوام حياته ، وأمره بالنظر إلى طعامه وكيفيات الأحوال التي اعتورت على طعامه حتى صار بصدد أن يطعم . والظاهر أن الطعام هو المطعوم ، وكيف ييسره الله تعالى بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض والإنبات ، وهذا قول الجمهور . وقال أبيّ وابن