@ 399 @ .
وقرأ الأعمش والأعرج وزيد بن علي وعيسى وأبو حيوة وعاصم في رواية : { لّلْمُكَذّبِينَ هَاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } ، بفتح الميم ؛ والجمهور : برفعها . قال ابن عطية : لما أضاف إلى غير متمكن بناه فهي فتحة بناء ، وهي في موضع رفع . وقال صاحب اللوامح : قال عيسى : هي لغة سفلى مضر ، يعني بناءهم يوم مع لا على الفتح ، لأنهم جعلوا يوم مع لا كالاسم الواحد ، فهو في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ . انتهى . والجملة المصدرة بمضارع مثبت أو منفي لا يجيز البصريون في الظرف المضاف إليها البناء بوجه ، وإنما هذا مذهب كوفي . قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون نصباً صحيحاً على الظرف ، فيصير هذا إشارة إلى ما تقدمه من الكلام دون إشارة إلى يوم ، ويكون العامل في نصب يوم نداء تقدمه من صفة جهنم ، ورميها بالشرر في يوم لا ينطقون ، فيكون يومئذ كلام معترض لا يمنع من تفريغ العامل للمعمول ، كما كانت { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } . انتهى . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون ظرفاً ، وتكون الإشارة بهذا إلى رميها بشرر . وقال الزمخشري : ونصبه الأعمش ، أي هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ ، وهنا نفي نطقهم . وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم نطقوا في مواضع من هذا اليوم ، وذلك باعتبار طول اليوم ، فيصح أن ينفي القول فيه في وقت ويثبت في وقت ، أو نفي نطقهم بحجة تنفع وجعل نطقهم بما لا ينفع كلا نطق . .
وقرأ القراء كلهم فيما أعلم : { وَلاَ يُؤْذَنُ } مبنياً للمفعول . وحكى أبو علي الأهوازي أن زيد بن علي قرأ : ولا يأذن ، مبنياً للفاعل ، أي الله تعالى ، { فَيَعْتَذِرُونَ } : عطف على { وَلاَ يُؤْذَنُ } داخل في حيز نفي الإذن ، أي فلا إذن فاعتذار ، ولم يجعل الاعتذار متسبباً عن الإذن فينصب . وقال ابن عطية : ولم ينصب في جواب النفي لتشابه رؤوس الآي ، والوجهان جائزان . انتهى . فجعل امتناع النصب هو تشابه رؤوس الآي وقال : والوجهان جائزان ، فظهر من كلامه استواء الرفع والنصب وأن معناهما واحد ، وليس كذلك لأن الرفع كما ذكرنا لا يكون متسبباً بل صريح عطف ، والنصب يكون فيه متسبباً فافترقا . وذهب أبو الحجاج الأعلم إلى أن قد يرفع الفعل ويكون معناه المنصوب بعد الفاء وذلك قليل ، وإنما جعل النحويون معنى الرفع غير معنى النصب رعياً للأكثر في كلام العرب ، وجعل دليله ذلك ، وهذه الآية كظاهر كلام ابن عطية ، وقد رد ذلك عليه ابن عصفور وغيره . .
{ هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ } للكفار ، { وَالاْوَّلِينَ } : قوم نوح عليه السلام وغيرهم من الكفار الذين تقدم زمانهم على زمان المخاطبين ، أي جمعناكم للفصل بين السعداء والأشقياء . { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ } : أي في هذا اليوم ، كما كان لكم في الدنيا ما تكيدون به دين الله وأولياءه ، { فَكِيدُونِ } اليوم ، وهذا تعجيز لهم وتوبيخ . ولما كان في سورة الإنسان ذكر نزراً من أحوال الكفار في الآخرة ، وأطنب في وصف أحوال المؤمنين فيها ، جاء في هذه السورة الإطناب في وصف الكفار والإيجاز في وصف المؤمنين ، فوقع بذلك الاعتدال بين السورتين . وقرأ الجمهور : { فِى ظِلَالٍ } جمع ظل ؛ والأعمش : في ظلل جمع ظلة . { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ } : خطاب لهم في الآخرة على إضمار القول ، ويدل عليه { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } : خطاب للكفار في الدنيا ، { قَلِيلاً } : أي زماناً قليلاً ، إذ قصارى أكلكم وتمتعكم الموت ، وهو خطاب تهديد لمن أجرم من قريش وغيرهم . .
{ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ } : من قال إنها مكية ، قال هي في قريش ؛ ومن قال إن هذه الآية مدنية ، قال هي في المنافقين . وقال مقاتل : نزلت في ثقيف ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) : حط عنا الصلاة فإنا لا ننحني إنها مسبة ، فأبى وقال : ( لا خير في دين لا صلاة فيه ) . ومعنى اركعوا : اخشعوا لله وتواضعوا له بقبول وحيه . وقيل : الركوع هنا عبارة عن الصلاة ؛ وخص من أفعالها الركوع ، لأن العرب كانوا يأنفون من الركوع والسجود . وجاه في هذه السورة بعد كل جملة قوله : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } ، لأن كل جملة منها فيها إخبار الله تعالى عن أشياء من أحوال الآخرة وتقريرات من أحوال الدنيا ، فناسب أن نذكر الوعيد عقيب كل جملة منها للمكذب بالويل في يوم الآخرة . والضمير في { بَعْدِهِ } عائد على القرآن ، والمعنى أنه قد تضمن من