@ 372 @ المعنى نفي الشفاعة فانتفى النفع ، أي لا شفاعة شافعين لهم فتنفعهم من باب : .
على لاحب لا يهتدي بمناره .
أي : لا منار له فيهتدي به . وتخصيصهم بانتفاء شفاعة الشافعين يدل على أنه قد تكون شفاعات وينتفع بها ، ووردت أحاديث في صحة ذلك . { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ } : وهي مواعظ القرآن التي تذكر الآخرة ، { مُعْرِضِينَ } : أي والحال المنتظرة هذه الموصوفة . ثم شبههم بالحمر المستنفرة في شدة إعراضهم ونفارهم عن الإيمان وآيات الله تعالى . وقرأ الجمهور : { حُمُرٌ } بضم الميم ؛ والأعمش : بإسكانها . قال ابن عباس : المراد الحمر الوحشية ، شبههم تعالى بالحمر مذمة وتهجيناً لهم . وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم : { مُّسْتَنفِرَةٌ } بفتح الفاء ، والمعنى : استنفرها : فزعها من القسورة ؛ وباقي السبعة : بكسرها ، أي نافرة نفر ، واستنفر بمعنى عجب واستعجب وسر واستسخر ، ومنه قول الشاعر : % ( أمسك حمارك إنه مستنفر % .
في إصر أحمرة عهدن لعرّب .
) % .
.
ويناسب الكسر قوله : { فَرَّتْ } . وقال محمد بن سلام : سألت أبا سرار العتوي ، وكان أعرابياً فصيحاً ، فقلت : كأنهم حمر ماذا مستنفرة طردها قسورة ؟ فقلت : إنما هو { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } ، قال : أفرّت ؟ قلت : نعم ، قال : فمستنفرة إذن . قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري وقتادة وعكرمة : القسورة : الرماة . وقال ابن عباس أيضاً وأبو هريرة وجمهور من اللغويين : الأسد . وقال ابن جبير : رجال القنص ، وهو قريب من القول الأول ، وقاله ابن عباس أيضاً . وقال ابن الأعرابي : القسورة أول الليل ، والمعنى : فرّت من ظلمة الليل ، ولا شيء أشدّ نفاراً من حمر الوحش ، ولذلك شبهت بها العرب الإبل في سرعة سيرها وخفتها . .
{ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىء مّنْهُمْ } : أي من المعرضين عن عظات الله وآياته ، { أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } : أي منشورة غير مطوية تقرأ كالكتب التي يتكاتب بها ، أو كتبت في السماء نزلت بها الملائكة ساعة كتبت رطبة لم تطو بعد ، وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) : لن نتبعك حتى يؤتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه : من رب العالمين إلى فلان بن فلان ، يؤمر فيها باتباعك ، ونحوه { لَن نُّؤْمِنَ * لِرُقِيّكَ حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَءهُ } . وروي أن بعضهم قال : إن كان يكتب في صحف ما يعمل كل إنسان ، فلتعرض تلك الصحف علينا ، فنزلت هذه الآية . وقرأ الجمهور : { صُحُفاً } بضم الصاد والحاء ، { مُّنَشَّرَةً } مشدّداً ؛ وابن جبير : بإسكانها منشرة مخففاً ، ونشر وأنشر مثل نزل وأنزل . شبه نشر الصحيفة بإنشار الله الموتى ، فعبر عنه بمنشرة من أنشرت ، والمحفوظ في الصحيفة والثوب نشر مخففاً ثلاثياً ، ويقال في الميت : أنشره الله فنشر هو ، أي أحياه فحيي . .
{ كَلاَّ } : ردع عن إرادتهم تلك وزجر لهم عن اقتراح الآيات ، { بَل لاَّ يَخَافُونَ الاْخِرَةَ } ، ولذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف . وقرأ الجمهور : { يَخَافُونَ } بياء الغيبة ؛ وأبو حيوة : بتاء الخطاب التفاتاً . { كَلاَّ } : ردع عن إعراضهم عن التذكرة ، { إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاء ذَكَرَهُ } : ذكر في إنه وفي ذكره ، لأن التذكرة ذكر . وقرأ نافع وسلام ويعقوب : تذكرة بتاء الخطاب ساكنة الذال ؛ وباقي السبعة وأبو جعفر والأعمش وطلحة وعيسى والأعرج : بالياء . وروي عن أبي حيوة : يذكرون بياء الغيبة وشد الذال . وروي عن أبي جعفر : تذكرون بالتاء وإدغام التاء في الذال . { هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى } : أي أهل أن يتقي ويخاف ، وأهل أن يغفر . وروى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ) فسر هذه الآية فقال : ( يقول لكم ربكم جلت قدرته وعظمته : أنا أهل أن أتقى ، فلا يجعل يتقى إله غيري ، ومن اتقى أن يجعل معي إلهاً غيري فأنا أغفر له ) . وقال الزمخشري : في قوله تعالى { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ } ، يعني : إلا أن يقسرهم على الذكر ويلجئهم إليه ، لأنهم مطبوع على قلوبهم معلوم أنهم لا يؤمنون إختياراً . .