@ 358 @ وسلطانه . والظاهر أن الضمير في { وَعْدَهُ } عائد على اليوم ، فهو من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي أنه تعالى وعد عباده هذا اليوم ، وهو يوم القيامة ، فلا بد من إنجازه . ويجوز أن يكون عائداً على الله تعالى ، فيكون من إضافة المصدر إلى الفاعل ، وإن لم يجر له ذكر قريب ، لأنه معلوم أن الذي هذه مواعيده هو الله تعالى . .
{ إِنَّ هَاذِهِ } : أي السورة ، أو الأنكال وما عطف عليه ، والأخذ الوبيل ، أو آيات القرآن المتضمنة شدة القيامة ، { تَذْكِرَةٌ } : أي موعظة ، { فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً } بالتقرب إليه بالطاعة ، ومفعول شاء محذوف يدل عليه الشرط ، لأن من شرطية ، أي فمن شاء أن يتخذ سبيلاً اتخذه إلى ربه ، وليست المشيئة هنا على معنى الإباحة ، بل تتضمن معنى الوعد والوعيد . { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى } : تصلي ، كقوله : { قُمِ الَّيْلَ } . لما كان أكثر أحوال الصلاة القيام عبر به عنها ، وهذه الآية نزلت تخفيفاً لما كان استمرار استعماله من أمر قيام الليل ، إما على الوجوب ، وإما على الندب ، على الخلاف الذي سبق ؛ { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ } : أي زماناً هو أقل من ثلثي الليل ، واستعير الأدنى ، وهو الأقرب للأول ، لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز ، وإذا بعدت كثر ذلك . وقرأ الجمهور : { مِن ثُلُثَىِ } بضم اللام ؛ والحسن وشيبة وأبو حيوة وابن السميفع وهشام وابن مجاهد ، عن قنبل فيما ذكر صاحب الكامل : بإسكانها ، وجاء ذلك عن نافع وابن عامر فيما ذكر صاحب اللوامح . وقرأ العربيان ونافع : ونصفه وثلثه ، بجرهما عطفاً على { إِنَّ رَبَّكَ } ؛ وباقي السبعة وزيد بن علي : بالنصب عطفاً على { أَدْنَى } ، لأنه منصوب على الظرف ، أي وقتاً أدنى من ثلثي الليل . فقراءة النصب مناسبة للتقسيم الذي في أول السورة ، لأنه إذا قام الليل إلا قليلاً صدق عليه { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ } ، لأن الزمان الذي لم يقم فيه يكون الثلث وشيئاً من الثلثين ، فيصدق عليه قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } . وأما قوله : { وَنِصْفَهُ } فهو مطابق لقوله أولاً : { نّصْفَهُ } . وأما ثلثه فإن قوله : { أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } قد ينتهي النقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلث الليل . وأما قوله : { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } ، فإنه إذا زاد على النصف قليلاً ، كان الوقت أقل من الثلثين ، فيكون قد طابق قوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ } ، ويكون قوله تعالى : { نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } شرحاً لمبهم ما دل عليه قوله : { قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، وعلى قراءة النصب . .
قال الحسن وابن جبير : معنى تحصوه : تطيقوه ، أي قدر تعالى أنهم يقدرون الزمان على ما مر في أول السورة ، فلم يطيقوا قيامه لكثرته وشدته ، فخفف تعالى عنهم فضلاً منه ، لا لعلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقات . وأما قراءة الجر ، فالمعنى أنه قيام مختلف ؛ مرة أدنى من الثلثين ، ومرة أدنى من النصف ، ومرة أدنى من الثلث ، وذلك لتعذر معرته البشر مقادير الزمان مع عذر النوم . وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى ، والبشر لا يحصون ذلك ، أي لا يطيقون مقادير ذلك ، فتاب عليهم ، أي رجع بهم من الثقل إلى الخفة وأمرهم بقيام ما تيسر . وعلى القراءتين يكون علمه تعالى بذلك على حسب الوقوع منهم ، لأنهم قاموا تلك المقادير في أوقات مختلفة قاموا أدنى من الثلثين ونصفاً وثلثاً ، وقاموا أدنى من النصف وأدنى من الثلث ، فلا تنافي بين القراءتين . وقرأ الجمهور : { وَثُلُثَهُ } بضم اللام ؛ وابن كثير في رواية شبل : بإسكانها ؛ وطائفة : معطوف على الضمير المستكن في { تَقُومُ } ، وحسنة الفصل بينهما . وقوله : { وَطَائِفَةٌ مّنَ الَّذِينَ مَعَكَ } دليل على أنه لم يكن فرضاً على الجميع ، إذ لو كان فرضاً ، لكان التركيب : والذين معك ، إلا إن اعتقد أنهم كان منهم من يقوم في بيته ، ومنهم من يقوم معه ، فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع . .
{ وَاللَّهُ يُقَدّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ } : أي هو وحده تعالى العالم بمقادير الساعات . قال الزمخشري : وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنياً عليه يقدر هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير . انتهى . وهذا مذهبه ، وإنما استفيد الاختصاص من سياق الكلام لا من تقديم المبتدأ . لو قلت : زيد يحفظ القرآن أو يتفقه في كتاب سيبويه ، لم يدل تقديم المبتدأ على الاختصاص . وأن مخففة من الثقيلة ، والضمير في { * نحصوه } ، الظاهر أنه عائد على المصدر المفهوم من يقدر ، أي أن لن تحصوا تقدير ساعات الليل والنهار ، لا تحيطوا بها على الحقيقة . وقيل : الضمير يعود على القيام المفهوم من قوله : { بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } . قيل : فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به . وقيل : رجع بكم من ثقل إلى خف ، ومن عسر إلى عسر ، ورخص