@ 311 @ غيظاً على قومه ، إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إلى الإيمان ، وأحوجوه إلى استعجال مفارقته إياهم . وقال ذو الرمة : % ( وأنت من حب ميّ مضمر حزنا % .
عانى الفؤاد قريح القلب مكظوم .
.
) % .
وتقدمت مادة كظم في قوله : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } . وقرأ الجمهور : { تَدَارَكَهُ } ماضياً ، ولم تلحقه علامة التأنيث لتحسين الفصل . وقرأ عبد الله وابن عباس : تداركته بتاء التأنيث ؛ وابن هرمز والحسن والأعمش : بشد الدال . قال أبو حاتم : ولا يجوز ذلك ، والأصل في ذلك تتداركه ، لأنه مستقبل انتصب بأن الخفيفة قبله . وقال بعض المتأخرين : هذا لا يجوز على حكاية الحال الماضية المقتضية ، أي لولا أن كان يقال تتداركه ، ومعناه : لولا هذه الحال الموجودة كانت له من نعم الله { لَنُبِذَ بِالْعَرَاء } ، ونحوه قوله : { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } ؛ وجواب { لَوْلاَ } قوله : { لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ } ، أي لكنه نبذه وهو غير مذموم ، كما قال : { فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء } ، والمعتمد فيه على الحال لا على النبذ مطلقاً ، بل بقيد الحال . وقيل : لنبذ بعراء القيامة مذموماً ، ويدل عليه { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } . ثم أخبر تعالى أنه { اجْتَبَاهُ } : أي اصطفاه ، { وَنَبِيّا مّنَ الصَّالِحِينَ } : أي الأنبياء . وعن ابن عباس : رد الله إليه الوحي وشفعة في قومه . .
ولما أمره تعالى بالصبر لما أراده تعالى ونهاه عن ما نهاه ، أخبره بشدة عداوتهم ليتلقى ذلك بالصبر فقال : { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ } : أي ليزلقون قومك بنظرهم الحاد الدال على العداوة المفرطة ، أو ليهلكونك من قولهم : نظر إليّ نظراً يكاد يصرعني ويكاد يأكلني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع والأكل لفعله . وقال الشاعر : % ( يتعارضون إذا التقوا في موطن % .
نظراً يزل مواطن الأقدام .
) % .
.
وقال الكلبي : ليزلقونك : ليصرفونك . وقرأ الجمهور : { لَيُزْلِقُونَكَ } بضم الياء من أزلق ؛ ونافع : بفتحها من زلقت الرجل ، عدى بالفتحة من زلق الرجل بالكسر ، نحو شترت عينه بالكسر ، وشترها الله بالفتح . وقرأ عبد الله وابن عباس والأعمش وعيسى : ليزهقونك . وقيل : معنى { لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } : ليأخذونك بالعين ، وذكر أن اللفع بالعين كان في بني أسد . قال ابن الكلبي : كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ، ثم يرفع جانب خبائه فيقول : لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلاً ثم تسقط طائفة أو عدة منها . قال الكفار لهذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فأجابهم ، وأنشد : % ( قد كان قومك يحسبونك سيدا % .
وأخال أنك سيد معيون .
) % .
.
أي : مصاب بالعين ، فعصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم ) ، وأنزل عليه هذه الآية . قال قتادة : نزلت لدفع العين حين أرادوا أن يعينوه عليه الصلاة والسلام . وقال الحسن : دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية . وقال القشيري : الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان ، لا مع الكراهة والبغض ، وقال : { وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } . وقال القرطبي : ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة له حتى يهلك . انتهى . وقد يكون في المعين ، وإن كان مبغضاً عند العائن صفة يستحسنها العائن ، فيعينه من تلك الصفة ، لا سيما من تكون فيه صفات كمال . { لَمَّا سَمِعُواْ الذِكْرَ } : من يقول لما ظرف يكون العامل فيه { لَيُزْلِقُونَكَ } ، وإن